الأخبار المحلية

الرؤية المستقبلية لإقليم كوردستان في ظل التوترات السياسية و الأزمات الاقتصادية

د. سیروان عبدالکریم علي..

يعيش إقليم كوردستان مرحلة دقيقة و حساسة تتسم بأزمات اقتصادية و سياسية و دستورية متعددة الأبعاد، منها أزمة السلطة التشريعية في الإقليم و القضايا العالقة مع الحكومة الفدرالية كقانون النفط و الغاز و ميزانية الإقليم و رواتب الموظفين. حيث تنعكس هذه الأزمات بشكل مباشر على قدرات الإقليم السياسية في التعامل مع التطورات المحلية و الإقليمية والدولية. تأتي هذه الظروف المتشابكة في وقت تتصاعد فيه حدة التوترات الإقليمية والدولية، بدءًا من الصراع الإيراني-الإسرائيلي وصولاً إلى التدخل التركي في الأزمة السورية ودور القيادة الكوردية في سوريا. كل ذلك يضع إقليم كوردستان في مواجهة تحديات كبرى تتطلب وحدة الصف والعمل المشترك.

ما يسبب القلق لعامة الشعب هو التلكؤ في انعقاد الجلسة البرلمانية المرتقبة وعدم التوصل إلى اتفاق سياسي لإدارة الإقليم و تشكيل حكومة وطنية. كذلك تعمق الانقسامات السياسية داخل البيت الكوردي تهدد قدرة الإقليم في التعامل مع الحكومة الفيدرالية في بغداد بأسلوب دستوري صحيح، خالي من التفسيرات الاعلامية.

نرى رسالة الرئيس نيجيرفان بارزاني بمناسبة حلول العام الجديد تجسد إدراكه بخطورة المرحلة، ويقدم مقترحات وطنية من أجل إعادة تنظيم البيت الكوردي، حيث شدد في رسالته إلى شعب اقليم كوردستان على أهمية تجاوز الخلافات وتعزيز التفاهم بين القوى السياسية والمكونات المختلفة. يُظهر هذا التوجه رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق استقرار داخلي ينعكس إيجابًا على تعامل الإقليم مع الحكومة الفدرالية و محيطه الإقليمي والدولي.

فعلى الصعيد الاقليمي، يُعقّد الصراع الإيراني-الإسرائيلي المستمر المشهد في الشرق الأوسط، ما يجعل إقليم كوردستان عرضة لتداعيات هذه التوترات. يُضاف إلى ذلك الأزمة السورية، حيث تلعب القيادة الكوردية دورًا محوريًا في المشهد السياسي والعسكري، وهو ما يزيد من الضغوط على الإقليم ويدفعه لتعزيز وحدته الداخلية لمواجهة هذه التحديات.

يرى الرئيس بأن الوحدة السياسية في كوردستان استراتيجية وطنية لابد من إعادة تنظيمها و هي السبيل الوحيد للخروج من الأزمات الحالية. كذلك تشكل الانقسامات السياسية في صفوف الأحزاب الكوردستانية عائقًا كبيرًا أمام تحقيق أهداف الإقليم في التنمية والاستقرار. إن تجاوز هذه الخلافات ليس خيارًا بل ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات الراهنة.

نلاحظ بأن الرئيس نيجيرفان بارزاني يقف بجدية على أهمية العمل الجماعي وتعزيز الروح الوطنية المشتركة، مشددًا على أن الانقسام لن يساعد الإقليم على التكيف مع المتغيرات السريعة.

يمكننا ملاحظة عدد من التوصيات خلال رسالة سيادته بمناسبة العام الجديد و منها:

تعزيز التوافق السياسي و دعوته للأحزاب الكوردستانية تجاوز خلافاتها وتوحيد جهودها لتحقيق استقرار داخلي يعزز مكانة الإقليم داخل العراق و خارجه.

بحث سبل حقيقية في التعامل الدستوري مع الحكومة الفيدرالية، ينبغي للإقليم أن يلتزم بالعمل ضمن الأطر الدستورية لتأمين حقوقه وتجنب الصراعات مع بغداد.

كما أن التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين يُعد ضرورة لمواجهة التحديات وضمان استقرار الإقليم. و لايمكن تحقيق هذه الأهداف إلا عن طريق تعزيز الحوار الداخلي و العمل على تنظيم لقاءات دورية بين القوى السياسية لمناقشة القضايا الخلافية وتطوير حلول مشتركة.

تحصين الإقليم ضد التوترات الإقليمية مهمة أخرى علينا أخذها بنظر الاعتبار لبناء استراتيجية دفاعية واقتصادية تعزز مناعة الإقليم أمام الأزمات الإقليمية والدولية.

إن دعوة الرئيس نيجيرفان بارزاني مع بداية العام الجديد ماهي إلا خارطة طريق لتعزيز الوحدة والتعاون تعكس إدراكًا عميقًا للمرحلة الحساسة التي يمر بها الإقليم. يتطلب المستقبل المشترك العمل بروح المسؤولية الوطنية لمواجهة التحديات الراهنة والتأسيس لمستقبل أفضل. ففي ظل التغيرات السريعة، لن يتمكن الإقليم من الحفاظ على مكتسباته إلا بتعزيز الوحدة الداخلية والتفاعل الإيجابي مع محيطه الإقليمي والدولي.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار