مقالات

أنا وكورونا على مدّ الله!

مرواة بقلم/ طلال العامري

كثر الحديث عن التي أهواها.. بهذه الرائعة التي أداها الفنان كاظم الساهر أبدأ الحكاية عن حالة العشق والهوا التي جمعتني مع حبيبتي (السيدية) التي ما أن تخلّى عنها (راعيها) الأول حتى اقترنت (أنا) بها!..
كانت ولازالت خير معينٍ لي.. لم تشكو كغيرها من الإناث بقيت قنوعة مؤمنة ومدركة لقدر الله حين وضعها في طريقي..
لم يكن مهرها كبيراً لأن من تركوها مدحوا كثيراً بخصالها ولولا خوفهم من شرع الله حين حلل لهم (أربع).. ما كانوا ليتركوها ويقتنوا غيرها وكانت واحدة صغيرة تشعرهم بالغبطة وتعيد لهم الشباب..
عودتني حبيبتي من أول يوم قضته معي بأنها ستحملني على أكف الراحة.. طفت بصحبتها كل أنحاء العراق.. لم أقدر أن آخذها معي في رحلاتي الخارجية.. كنت أطمئن عليها يومياً عبر الهاتف ومن ثم الجوال وشبكات التواصل الاجتماعي فيما بعد.. لم أكن لأنام ليلتي إلا وأدثّرها أو (اهوّيها) خوفاً عليها من برد أو حرٍ..
كثيراً ما تعثّرت هي أو أصيبت بأحد قدميها لم تدعنِ أركع لأعينها وأضمّد جراح القدم الذي أصيب بمسمارٍ عابرٍ ملقى في الطريق أو زجاج مكسور تركوه برعونةٍ.. كانت تختار أن تقع أو تتمرّض قرب المشافي التي تعنى باصابتها ولا تحمّلني عناء حملها أو مداواتها.. بقيت قليلة المرض والتشكّي..

اتذكّر يوماً وكانت الموصل محتلةٌ بالكامل من قبل الدواعش.. كيف تسممت معدتها بفعل ما كنت أقدمه لها من (طعام وشرابٍ) متعدد التسميات، مجهول الأصل حتى كادت أن تموت، لولا عناية الله ووجود أحد (الأطباء المهرة) الذي قال لي بأنه سيجري لها عملية مستعجلةٍ يعيد لها (معدتها وأمعائها) كما كانوا.. وبالفعل نجحت العملية أيما نجاح بعد أن كلفتني أجرتها من دون ما أعطيناها من سوائل وزيوت ومضادات (خمسمائة وثمانية وعشرون) ألف دينار عراقي، في وقت كانت السيارة الحديثة تباع ببسعر يتراوح بين المئة والمئتي دولار (غنائم)!.. كان المبلغ المصروف من أجلها يعدّ خيالياً.. وقال عني كثيرون يا لك من مجنون (خذ) اقترن بغيرها وبتراب الفلوس!.

ليس من طبعي الغدر، ثم هي لم تزل اليوم بعمر السبع وثلاثون سنة.. ليست كبيرة كما يظنّون.. تؤدي واجباتها على أكمل وجه.. لاتبخل عليّ بطلب.. طبعا.. هذا من وجهة نظري كونهم أي الذين قدموا لي النصيحة يتباهون بعقد قرانهم على الصغيرات جداً ممن وجدوهنّ في طرقهم، حتى وإن كنّ بعمر يومٍ واحدٍ أو سنة واثنتين!..

لا أطيل عليكم وأسهب كي لا تشعروا بالملل..
لأني تفاجأت قبل أيام واذا بأولادي يعقدون اجتماعاً عائلياً طارئاً من دون علمي ويقررون مدّ يد المساعدة لي كي أغيّر حبيبتي التي لم تبخل عليهم يوماً بأي شيء.. قلت لهم.. هل هكذا تردّون الجميل لمن وقفت معكم بكل أزماتكم؟ ألم تقطع اللقمة عن نفسها لتأكلوا أنتم ألم تكونوا ترونها تخرج معي شتاءً وصيفاً لتوفّر لكم لقمة العيش وما تحتاجون اليه من مأكلٍ وملبسٍ وعلاج وأسرّة نوم دافئةٍ ولا تنام هي حتى تغطيكم وتطمئن عليكم..
هل هذا جزاء الإحسان لمن نذرت نفسها وعمرها لأجلكم..
ردّت ابنتي الكبيرة التي تعمل مساعد جرّاح بإحدى المشافي المحلية وقالت: أنا من ناحيتي سأتبرع بالجزء الأكبر من مهر الجديدة، فقط قل أنت موافق.. لأني سأدخل جمعية وأكثر لأوفّر لك أكبر قدرٍ من المال!..
هكذا فعل بقية إخوتها الذين شعرت بهم متفقون باتخاذ القرار لأن آخر العنقود أخيهم هو الآخر جاءني حاملاً معه ما سبق وجمعه من مال ورمّى حصالته بحجري وقال خذها و(جدّد) حياتك!.
لا أكذب عليكم شعرت بفرحة تلاحمهم معي وبذات الوقت بألمٍ والدنيا تدور بي وكأني خارج الكون ولم أنتبه لمن كانوا يجلسون معي ويتحاورون الا عندما صرخت حفيدتي ذات الأشهر الستة والتي أجبرتني أن أصحو وألتفت إليها وكانت تحاكيني بلغة لا يفهمها غيرنا وتقول لي: (جدو) أنا أتبرع لك بثمن الحليب والشوربة (سيريلاك) وسأطلب من بابا أن يعطيك ثمنهما ولازم (تجدّد).. قلت يا الله ماذا جرى لهؤلاء القوم ولماذا يستميتون كي أتخلّص من حبيبة عمري.. نعم إن الشرع حلل لي الكثير وما ملكت الأيمان.. لكن أمام الوفاء ننسى هذه الآيات!..
أغرب ما صدمني كان من حبيبتي وأم أولادي التي طعنتني بقلبي وهي تردد.. إسمع كلامهم ونفّذ ما يقولون ولن أزعل، لأني قررت أن أعطيك كل مصوغاتي الذهبية كي (تجدّد) وغيرك ليسوا بأفضل منك.. لازلت شاباً وتحتاج من تعيد ألقك..
كنت أصرخ فيها وأردد.. كيف أنسى العشرّة التي لا تهون إلا على ابن الحرام؟.. ثم أنت تعرفيني لم أتخلَ يوماً عن قصاصة ورقية تعود للماضي فكيف تطلبين مني التخلّي عن التي أمدّتني بالخير والاستقرار؟.. ثم هكذا بكل بساطة تتخلين عن مصوغاتك الذهبية التي لم أمدّ يدي إليها بأصعب الظروف.. أتريدين قتل ذكرياتك مع كل قطعة منها؟؟..
انسحبت زوجتي بهدوء المستسلم وهي تردد (بكيفكم) اتفقوا أنتم ثم أعطوني الخبر بالقرار الذي تتوصّلون اليه وأنا موافقة سلفاً!..
يا لها من مرأة حكيمة.. تركت الكرة في ملعبنا وكأن الأمر لا يعنيها!..
في تلك الساعة وجدت نفسي أنفعل وأضرب توجيهات الطبيب بعرض الحائط لأنه حذرني بالقول.. خذ حذرك فأنت مرشّح بالاصابة بداء السكري وأي انفعال ممكن أن يتسبب لك بذلك وساعتها لن يفيدك الندم!.
كيف لا أنفعل وهم يريدون الحكم عليها بالإعدام أو النفي.. واحد يقول لي أتركها أمام الدار لقدرها فربما تجد من يأويها بعد أن تتركها أنت.. وآخر يدعي الحديث بالمنطق ويطلب مني ركنها على جنب بحيث أطلّ عليها كلما سنحت لي الفرصة بذلك!.. أما أغرب ما فعله أحدهم حين كان يأتي لي بالصغيرات الجميلات ويعرض صورهّن عليّ ويغريني بهنّ وكأنه (خاطبة شامية) من تلكم اللواتي كنّا نراهن في المسلسلات السورية، ولا يعرف المسكين بأني لا أرغب حتى بالتمتّع (متعة أو مسيار ومسفار) ولا عرفي لقناعتي بما لدي..

المغريات تزداد وأنا أقاومهم.. لا أنكر بمروري بحالات ضعفٍ أستيقظ منها باللحظات الأخيرة وأعود إلى رشدي حتى زارنا (كورونا) الذي كان بعيداً في أول ظهوره ولكن مع اقترابه منّا وجلوسنا في البيت مجبرين، عاد الموضوع ليفتح بشِدةٍ وتكرار جعلني أفلت أعصابي مرّاتٍ ومرات..
كنت أصرخ فيهم لن أتركها تنام بالشارع حتى وان (استعرّيتم) منها أنتم.. ستبقى في بيتي معززة مكرّمة ومن لا يرغب بذلك ليتفضّل ويخرج (الباب يتسع لمرور جمل)..

آهٍ يا كورونا ماذا فعلت بي.. وكيف جعلت من فتية صغار يحاولون التلاعب بي وأنا الذي يعيش منتصف العقد السادس من العمر الذي عاش كل أنواع الحرمان؟..

قلت لهم يا مسعدني بكورونا الذي أدخل العالم انذار (جيم) وبات على كل لسان.. ما أسعدني وأنا أرى كورونا كل يوم وأرى هذا الاسم خير معينٍ لي..
لن أتخلّص من (كورونا) مهما فعلتم لأن بيننا رابط لا تعرفونه أنتم…
نعم حبيبتي لم تكلّفنِ يوماً أن أشتري لها المكياج والأصباغ أو أذهب بها إلى من يزيّنها.. لأنها كانت وستبقى جميلة بنظري رغم سني العمر وتبدلات الطقس والمناخ وطوافها معي في الزحام الذي لا يرحم..
لا أعلم لماذا تذكرت كيف ركلها أحد أفراد السيطرات يوماً بقدمه ثم بأخمص بندقيته الروسية وهو يطلب مني أن أتحرك بسرعة.. رأيت آثار ضربها وشعرت بألمها وحدثّت نفسي وقلت كم كنت جباناً ساعتها لأني تركتها تتعرّض لكل ذلك الضرب!.

كلهم يخافون كورونا إلا أنا فأعشق الاسم حد الثمالة..
كورونا التي معي لن أتركها مهما فعلوا.. ألا يكفي بأنها لم تطالب بأي مبالغ لإجراء عمليات الصيانة والتجميل بجسدها ألـ(مجرّب) المبقّع أو داخلها ممزّق الأوصال نتيجة للاستعمال الدائم الذي لا يرحم.. هي لم تكن زوجة لسياسي حديث النعمة أو برلماني قدّم كل شيء ليوفّر أشياء تعين زوجته أو عشيقته كي تجري عمليات الشفط والنفخ والتبييض الداخلي والصبغ الخارجي أسمر أو تفتتيح بشرة.. حبيبتي ليست منهم ولن تكون.. مع أني كم أرجو أن أرى أحد من اليابان يمدّ لي يد العون ويساهموا باعادتها إلى سابق عهدها أو يتكفّل بها أحد البرامج التلفازية الأجنبية أو العربية ليعيدوا لها البهاء ويزيدوا من عمرها وفترة صلاحيتها بعد أن يطالعوا قصتها هنا ويرأفوا بحالها وحالي ثم ألم يفعلوا ذلك مع غيرها؟..
أجل سادتي الأكارم.. حبيبتي التي كنت أتحدث عنها هي الزوجة الثانية التي لم أتخلَّ عنها وأقصد سيارتي ذات النوع (تويوتا_كورونا_دي_إكس).. المولودة في العام (1983)..
لأني لو فعلت فيسهل عليّ حينها استبدال زوجتي التي رافقتني كل تلك السنين العجاف وبعض الأعوام، وربما سمعتم مثلي بأن من تهون عليه سيارته (تهون) عليه زوجته.. فإن أبدلها (أبدل) زوجته أو جلب عليها ضرّة والضرّة مرّة يا أولادي وليس كل من (ركب) سيارة حديثة شعر بطعم ولذّة قيادته لها، لأنه لا أمان له كما أن كثيرين لم يتعبوا بما يركبونه اليوم.. فهل عرفتم كم أعتز بكورونا التي معي والتي تعبتُ من أجلها حتى أصبحت بعهدتي ولا أخشى من القادم الجديد (كورونا) لأنه بقدومه هذه المرّة لن يفرّق بين هذا أو ذاك وسيأخذ من عليه القسمة والنصيب سواء امتطى عربة أو شبح..
وختاماً أسأل هل أتخلّى عن (كورونا) أم تتوقعون مثلي أن أجد من يقف معها ومعي لأنها عكازي الذي أتوكأ عليه بعد فقدي لجزءٍ عزيز من جسدي بفعل حربٍ لم تزل آثارها وويلاتها إلى اليوم.. كما أن أولادي يرفضون إخراج أي (فلس) من جيوبهم لاعادتها كما كانت ويقولون حرام الصرف عليها وهو لن يعيد لها شبابها لأنها مثل القطة مهما أكلت (تبقى) قطّة بذات الوزن..
شركة (TOYOTA) التي أنتجت (CORONA) ذات النوع (DX) مع التحية.. لأنها بلونها الأخضر الفاتح تبقى مميّزة.. ألم أقل بأنها (سيدية)؟.. وعذراً يا ماركيز فإن كنت أوجدت الحب في زمن الكوليرا.. فأنا عشقت كورونا في زمن ألـ(كورونا) وأنا وكورونا على مدّ الله..
دمتم ولنا عودة إن شاء الله..

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار