الثقافيةمقالات

كتبت الفنانة نادرة العبيدي مقال بعنوان “علامات مميزة في المسيرة الفنية”

نادرة العبيدي / تونس:
مرت أسماء كثيرة لفنانين تعلموا على ذواتهم، وانتجوا أعمالهم الفنية وفقاً لمفاهيم حسية مباشرة وشكلوا على مدى حقب عديدة من الزمن علامات مميزة في المسيرة الفنية، بل إن بعض الإيقاعات الفنية رسماً ونحتاً و نقشا لدى العديد منهم شكلت إضافة إيجابية على مسيرة الفن العربي، بعضها استطاع أن يثبت حضوره في أوروبا. ويصير وجوداً في بعض المتاحف العالمية وبعضها صار نادراً، بل مفقوداً لأن العديد من جامعي التراث الفني يعتزون به كمستوى وكتعبير، كإيقاع آخر مغاير للأكاديمي السائد، أو للفن الطالع من صلب الاجتهادات الحديثة، ومدارس القرن العشرين على تنوعها.

كان الفنان التونسي العصامي ” عبد الرحمان دلدول ” من مواليد 13-9-1959 بولاية المنستير الذي وضع بصماته على الحركة الفنية بلمسات جديدة . الذي استطاع أن يجعل من فن الشوارع ذكرى تخلد على جدران قديمة و جديدة من ولاية المنستير و المكنين و غيرها من الاماكن التي احياها ووضع ضمنها بحرا من الالوان الخالدة على مدى الاجيال ،هذا الي جانب ان تجربته لم تقتصر على الرسم العصامي فقط بل كان له من الزاد المعرفي الاكاديمي في ميدان الفن ما يكفيه لتدريس الصغار و الراشدين و بعض الكبار قواعد الرسم و التلوين و تدريبهم على انتاج لوحات رائعة ، لكن لم يقتصر الفعل على هذا فقط بل اراد في كل مرة و سعى الى التفكير في انتاج مشاريع صغيرة يحرك ضمنها انتاجاته التعبيرية و الفنية .

كانت اغلب اعماله تتمحور حول التشكيل الفطري، رغم أن النقد يركز على ضرورة التفريق بين الفنون الفطرية والفنون البدائية. ففي الفطرية تبرز الجوانب الشخصية بمفاهيمها المباشرة بينما في الفنون البدائية تبرز الحالة الموضوعية بوصفها القوة الدافعة للعمل. ولو أردنا أن نناقش بعض أعماله ، لوجدنا أننا لا بد وأن نجنح نحو تراوحه بين رسوماته الكلاسيكية و الانطباعية رسمه للطبيعة و بين فن الحياكة و الزخرف و الزخارف التقليدية و فن الطباعة الذي باد ان اصبحت طباعة على ملابس و محافظ بامكانها ان تعرض كفن آدائي ،اي الفنون الأدائية أو التعبيرية : Performing arts هي شكل من أشكال الفن التي لا تختلف عن الفنون التشكيلية حيث يستخدم الفنان هيئته وجسده الخاص كخامة أو اداة لتنفيذ او لعرض المنتوج و نوع الفن المقصود بدلاً من استخدام الخامة مثل الطين أو المعدن أو الطلاء والألوان.
لكن فنون رسم الحيطان التونسية بقيت هي الظاهرة الأكبر والأعمق لديه من خلال تنسيق و برمجة تظاهرات فنية ، تجمع مختلف الفيئات ليعبروا تزويقا لشوارع المدن و ازقتها و احياءها الشعبية من خلال رسوم الجدران الجديدة و القديمة و ترميمها ايضا ان استوجب الامر .
فقد كان كفنان يبحث داخل نقوشه و زخارفه وخطوطه و اشكاله عن رسومات عن تركيبات تشكيلية متوازنة ،خالدة تحمل خصوصية الخط العربي و جمال حركيته و رونقه و يبحث ضمنها عن تشكلات علها تطبع على محامل حداثية يربط ضمنها عالمه الصغير بعالم الموضة او الازياء ،اذ طوره و جعل من الملابس محامل مطبوعة من لوحاته الجميلة المتنوعة و لم يقتصر الامر على هذا فحسب بل طور مشروعه الفني و جعله يخرج علنا كنمط من انماط فن الشوارع ليكسي الجدران و الابواب و الشبابيك و هذا ما سنتعمق خلاله ضمن تجربته التي تعد من بين اروع و اندر التجارب التونسية.اي واحدة من بين أهم و اعمق مدارس الفنون لان بساطتها قد اعطت بصمة عميقة يدرك المشاهد من خلالها خصوصية نقوشه و زخارفه ، علماً أن الرسام” عبد الرحمان دلدول ” هذا الفنان العصامي قد احب الفن و عمل جاهدا على احياء دائما و تجديد ابداعاته و تنويعها من كل نمط وهذاما يجعلنا نفرق طبعاً ما بين الرسام العصامي والرسام الفطري فكل رسام فطري هو رسام عصامي بالضرورة ولكن ليس كل رسام عصامي هو رسام فطري فهناك من الرسامين العصاميين من امتلك لغة تعبيرية تجاوزت تلك اللغة التي امتلكتها الأكاديمية وبعض العصاميين ذهبوا إلى التجريد لذلك سنتحدث عن الرسامين العصاميين بمعزل عن موضوع اللوحة الفطرية.
إن الرسامين العصاميين الذين تعلموا خارج الأكاديمية شكلوا حضوراً رائعاً في
تاريخ حركة الفن التونسي، وأنا استعيد نصاً مهماً لصديقي الناقد التونسي الكبير علي اللواتي إذ يقول: ” إن الفن التونسي الحديث يكتسي مظهراً شبيهاً بفسيفساء ذات عناصر متقابلة إن لم نقل متناقضة، فمن التشخيصية التقليدية إلى التشخيصية …”

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار