مقالات

في طفولتي.. حاولت تخيل الله

((وان_بغداد))
بقلم حسن النصار..
قلت ؛ لا شك أنه يشبه جدي . كان جدي كل شيء جميل في حياتي .. زد على ذلك أنه كان وسيما و فصيحا و جنتلمانا .
أخلصت إلى جدي و إختبئت من الأيام تحت جناحيه.
لكنه مات . عندئذ ، قلت ؛ عماتي و الجيران يقولون أن جدي سافر إلى عند الله .
جدتي ” العزيزه ” ، ماتت قبله . عماتي و الجيران قالوا أن جدتي سافرت إلى عند الله .
ثم تتالت الأيام .. أهلي ماتوا . حتى الأطفال الصغار الذين دفناهم في يوم مولدهم ، كان أهلهم يكتبون على شواهد قبورهم ” إنتقل إلى جوار ربه ” .
فكرت ؛ إذا كان الله يشبه جدي فلماذا لم يمت.
إذا كان الله وسيما و فصيحا و جنتلمانا و يفهم في الأصول ، لماذا لم أره في الفاتحة يعزي أبي !
فكرت ؛ إذا كان الله يشبه جدي ، لماذا يوافق على ابعادي من تحت جناحيه !
هل كان بحاجة إلى جدي ؟
طيب ، أنا أيضا بحاجة إلى جدي ..
إذن .. الله لا يشبه جدي . هما صديقان ، على الأغلب . أحدهما اشتاق إلى صاحبه فأرسل إليه .
كبرت ..درست الاعلام التاريخ و الجغرافيا والمسرح و الموسيقى ..
بحثت في الكتب عن الله ، تخيلته يشبه إبن رشد .. لكن كتب ابن رشد أحرقت و أتلفت .
ألا يستطيع الله الدفاع عن كتبه أمام شرذمة من اللصوص و قطاع الطرق .
تخيلته يشبه المسيح . لكن ، اذا كان الله يشبه المسيح ، فمن يكون يهوذا ! ، هل هو إله آخر !
ثم توغلت أكثر في التاريخ.
قرأت تاريخ الحضارات كلها .
في تلك السنوات ، أحسست أن الله يبتعد عني ، أقصد محاولاتي لتكوين صورة على الله ، باءت بالفشل .
في طفولتي ، كنت أتخيله يشبه جدي ، بعد ذلك ، تخيلته يشبه ابن رشد .. تخيلته يشبه المسيح ..إلخ .
كنت مرتاحا و مطمئنا .
لكنني في فترة مراهقتي لم أجد ما يريح روحي و يشبع نهم دودة القلق التي تقتات من حيرتي .
لم أشعر بالعزلة يوما .
حتى في أبشع لحظاتي ، كنت أحس بقوة غامضة تشد أزري .
ثمت يد تغطيني حين أنام بلا غطاء ، ثمت يد تضمد جرحي إذا جرحت ، ثمت يد ساعدتني على الوقوف كلما سقطت .. و كم سقطت ، كم سقطت ..
ثمت يد منحتني الطمئنينة .
لا أعرف كيف أفسر ما حدث معي .
لكنني في أيام بشعة ، لم أحتج الغذاء و لا الشراب ، لا المال و لا الملجىء .. كل ما احتجت إليه هو يد تلمس كتفي .
كنت أشبه بهاتف نفذ شحنه .. الله منحني الشحن . الله مد يديه من ثقب الأوزون و انتشلني من الفناء ، من التلاشي ، من الجنون ، من التنازل .
أنا الآن لا أريد تخيل الله .
أنا لا أصلي ، غير أني أصوم لأنني أخجل من الله .. أخجل أن أحرجه . أخشى أن أخيب ظنه .
أنا الآن لا أؤمن لا بدولة و لا بهوية و لا بمسار و لا بعقيدة و لا باسطورة .
انا الآن أحيا مع الأفكار الميكروسكوبية ، أحيا مع النمل و القطط و الكلاب الوديعة .. أحيا مع النساء القرويات اللاتي لا يعرفن من الدنيا غير الحقول الشاسعة و الكتاكيت البريئة ، أحيا مع رجال لا يفكرون في تحرير بلدي .. لا يعنيهم من الدنيا غير ” الستر ” ..
أيها السادة ، إنني أكتب إليكم نصا سخيفا .
مليئا بالأخطاء و الدموع و الصيحات و الندوب .
فانصتوا .. تلك صلاتي .
حسن حنظل النصار

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار