مقالات

لماذا فشلت الدولة العراقية (٦)

محمد عبد الجبار الشبوط..

يحتاج اصلاح الدولة العراقية واعادة تأهيلها وبنائها الى الكثير من الفقرات مثل: القضاء على الفساد، الخروج من الاقتصاد الريعيم، تفعيل حركة الانتاج الزراعي والصناعي، خلق فرص عمل للشباب للقضاء على البطالة، ايجاد قضاء عادل وقوي، الحكم الرشيد، الاعلام المستقل، القضاء على الامية، تشجيع الاستثمار، حصر السلاح بيد الدولة، علاقات دولية متوازنة، نظام تربوي حديث، وغير ذلك كثير. وترتبط كل هذه الفقرات بالانسان المخطط والمنفذ والمشرف وما يحيط به.
ودلت تجارب الامم المماثلة منذ ظهور الدول الحضارية الحديثة الى الان، على ان كل هذه الفقرات مرتبطة بهذا الشكل او ذاك بمنظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة، والتي تشكل مؤشرات السلوك بالنسبة للفرد والمجتمع والدولة، وضوابطه.
وهذا يعني ان حركة الاصلاح واعادة البناء تتطلب قبل كل شيء اعادة بناء منظومة القيم الحافة بالمركب الحضاري، وعناصره الخمسة اي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل، وتمثل النظام القيمي للمجتمع والدولة والذي سوف يشكل المحتوى الداخلي للمجتمع، والطابع العام للدولة الذي تستمد منه هويتها وصفتها واتجاهاتها التشريعية وخططها التربوية والتنموية. النظام القيمي للمجتمع والدولة تتحرك في اطاره العلاقات الاجتماعية، بين الناس انفسهم، كما يشمل العلاقات بين الحاكمين والمحكومين وعلاقة الانسان بالطبيعة. وهو حاضنة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني والتربوي الخ للدولة والمجتمع.
وقد دلت تجارب الامم في الحالات المماثلة على ان الاصلاح واعادة البناء هي في الحقيقة عملية تغيير اجتماعي عميقة الجذور واسعة النطاق طويلة الامد قد تستغرق ٢٠ سنة (كما في حالة جمهورية رواندا الافريقية) او اقل او اكثر، حيث ستكون لكل مجتمع طريقته الخاصة واسلوبه الخاص في بناء دولته الحضارية الحديثة.
وتلعب اطراف عدة ادوارا متنوعة في عملية التغيير والاصلاح والبناء هذه، مثل الحكومة، والاعلام، والمؤسسات التربوية، والاقلية المبدعة، الخ.
وقد دلت التجارب ايضا، مثل تجربة الثورة الفرنسية وتجربة ماليزيا وغيرهما، على ان المدرسة تلعب دورا اساسيا في انجاز عملية التغيير وبناء الارضية المجتمعية الصالحة لقيام الدولة الحضارية الحديثة وبرامجها الهادفة الى تحقيق فقرات الاصلاح المختلفة.
وفي حالتنا العراقية يمكننا تصور نظام تربوي حضاري يشتغل على شكل دورات دراسية تستغرق كل دورة ١٢-١٦ سنة، حيث يمثل الحد الاول (١٢ سنة) الدورة الدراسية منذ الصف الاول ابتدائي وانتهاء بالصف السادس الثانوي، ويتألف الحد الثاني (١٦ سنة) من اضافة معدل السنوات الجامعية (٤ سنوات) الى الحد الاول. ويتم في هذا النظام التربوي بناء شخصية الطالب على شكل طبقات متتالية تنتهي بخلق المواطن الحضاري الفعال الذي يشكل اللبنة الاولى في بناء مجتمع حسن التنظيم ودولة حضارية حديثة وذلك عن طريق زرع القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري في شخصيته. ومن المؤكد ان هذه الخطوة طويلة الامد سوف تترافق مع خطوات اخرى يجري القيام بها في مساحات اخرى من الدولة والمجتمع، وتقوم بها اطراف اخرى فاعلة في الدائرتين. وفي مجتمع اسلامي مخضرم، كالمجتمع العراقي، سيكون للدين دور ايجابي في عملية الاصلاح والبناء هذه اذا تم تقديم الدين وفق فهم حضاري حديث له، وتحريره مما لحق به من شوائب التخلف والتشدد والتطرف والغيبية عبر عصور طويلة مضت. وهو ما حاول رواد الاصلاح الديني ومازالوا يقومون به. وهو جهد مطلوب في مشروعنا الحضاري.
ان فكرة الدولة الحضارية الحديثة دعوة الى الانخراط في مسيرة عالمية حضارية تاريخية تشمل كل البشرية وليست حلما طوباويا بعيد المال، وهي تمثل مشروع الحل العلمي والموضوعي لمشكلات العراق الراهنة.
تم

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار