مقالات

الاغلبية الصامتة

    محمد عبد الجبار الشبوط
    يزعم هذا المقال ان عبء الاصلاح الحضاري الشامل يقع على عاتق “الاغلبية الصامتة”. وسوف اشرح بعد لحظات معنى “الاصلاح الحضاري الشامل”. دعونا الان نتحدث عن “الاغلبية الصامتة”. وهي مجموعة المواطنين الذين يحق لهم التصويت لكنهم لم يشاركوا في الانتخابات يوم ١٠ تشرين الاول من هذا العام.
    وتبلغ نسبة هؤلاء العددية حوالي ٦٠بالمئة من عدد الناخبين، بافتراض ان نسبة الذين صوتوا هي ٤٠ بالمئة. ولهذا اطلقت عليهم عنوان “الاغلبية الصامتة”.
    ليس لدى هذه “الاغلبية الصامتة” مرشحون فائزون ولا كتلة نيابية، لان اعضاءها ببساطة، كما قلنا، لم يشتركوا بالانتخابات ترشيحا وتصويتا، الذين صوتوا هم انصار الاحزاب والجماعات التي فاز مرشحوها في الانتخابات، بما فيهم “التشرينيون” اضافة الى عدد من “المستقلين” الذين صوتوا للمرشحين “المستقلين”. هؤلاء هم امتداد وانعكاس لاحزابهم، ولهذا فهم غير مشمولين بعنوان “الاغلبية الصامتة”، واذا تولى هؤلاء الحكم فسيكون عنوانهم “الاقلية الحاكمة” سواء كانوا في الحكومة ام في المعارضة.
    وبما ان الاقلية الحاكمة لها برامجها المعلنة، وانا لا احب ان اتدخل بشؤونها الخاصة، فدعونا نحمل الاغلبية الصامتة مسؤولية الاصلاح الحضاري الشامل الذي يحتاج اليه المجتمع. وأعني بالاصلاح الحضاري الشامل الاصلاح الذي يشمل كل مجالات الحياة على مستوى الفرد والمجتمع والدولة، ومن هذه المجالات: الاصلاح السياسي، الاصلاح الاقتصادي، الاصلاح التربوي، الاصلاح القضائي، الاصلاح الاداري، الاصلاح المصرفي، الاصلاح القيمي، والمجتمعي.. الخ. وبعبارة اخرى اصلاح الخلل الحاد، بل الاختلالات الحادة في المركَّب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة بعناصره الخمسة، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل.
    على الاغلبية الصامتة ان تتحمل مسؤولية الاصلاح الحضاري الشامل بما انها اختارت عدم المشاركة بالعملية السياسية التي تنفذها الاحزاب وانصارها، اي الاقلية الحاكمة. وهذا تعبير عن ايجابية الاغلبية الصامتة، لانه ليس من المعقول ان تختار الاغلبية الموقف السلبي، المنعزل، المتفرج، بينما تتولى الاقلية الحاكمة مقاليد كل شيء.
    وقبل ان ابين كيف تتولى الاغلبية الصامتة مسؤولية الاصلاح الحضاري الشامل، لابد ان اذكر سريعا بعض العوامل السلبية المحبطة المعيقة لتحمل هذه المسؤولية.
    العامل الاول، عدم وضوح المهمة نفسها، ما يعني انها لم تتحول الى هدف تؤمن به الاغلبية الصامتة وتسعى الى تحقيقه.
    العامل الثاني، غلبة روحية الاحباط واليأس وعدم الثقة بالذات والتخوّف المسبق والسلبية.
    العامل الثالث، تفرق كلمة وصفوف الاغلبية الصامتة الامر الذي جعلهم رقما مهمشا او مهشما و غير مؤثر في مجريات الامور.
    ولهذا فاذا ارادت الاغلبية الصامتة ان تصعد الى السطح، وتمسك بزمام الامور، وتتحكم بحركة المجتمع، فعليها ان تعالج العوامل الثلاثة المذكورة اعلاه قبل كل شيء، وقبل القاء اللوم على الاخرين، وقبل توجيه اللعنات على الظلام.
    فاولا، يجب ان تعلن الاغلبية الصامتة ان هدفها هو الاصلاح الحضاري الشامل الذي يصل ذروته باقامة الدولة الحضارية الحديثة. وبذا تختلف اختلافا جوهريا عن الاقلية الحاكمة التي تتنافس مع نفسها حول المقاعد والحقائب!
    ويجب عليها، ثانيا، ان تقضي على الاحباط واليأس وتتحلى بروحية الامل والثقة بالنفس والايجابية والاقدام والشجاعة والمبادرة.
    ويجب عليها، ثالثا، ان تلملم شتاتها، وتجمع افرادها، وتوحد صفوفها، وتنسق تحركاتها، لتتحول الى جسم متحد وكيان اجتماعي موحد ومنظم، ويعمل وفق استراتيجية واضحة وخطط مرحلية سليمة. على الاغلبية الصامتة ان تتحول الى حركة شعبية وطنية على اساس المواطنة، تشمل في صفوفها جميع انواع واصناف المواطنين بغض النظر عن القومية او الدين او المذهب او المنطقة، تخطط للامساك بازمة الدولة بالطرق السلمية السياسية الديمقراطية، اي عن طريق الانتخابات، والوسائل الاخرى التي يقرها الدستور، على علاته.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار