مقالات

وأد الفتنة

محمد عبد الجبار الشبوط..
كان الامر يحتاج الى رصاصة واحدة لتشتعل نار الفتنة التي لا تبقي ولا تذر.
فبعد التسريبات المنسوبة الى السيد نوري المالكي و خطاب السيد مقتدى الصدر الموجه اليه، وصلت حرارة المشهد السياسي الى درجة الاتقاد، واصبح انفجار البركان قاب قوسين او ادنى، لولا تصريح “صالح محمد العراقي” بعدم ضرورة التظاهرات، وبيان حزب الدعوة الاسلامية الذي قال:”اننا لن ننجر الى فتنة عمياء بين ابناء الوطن الواحد فضلا عن الخط الرسالي الذي مثله الشهيدان الصدران”، تنفس الناس الصعداء، وتم تنفيس الازمة، وتأجل الى حين انفجارها.
يعرف الناس الكثير من التفاصيل عن ازمة الثقة بين نوري المالكي ومقتدى الصدر، فلا داعي للتكرار. ولكن حين تتجاوز الازمة الرجلين، وتنتقل الى الشارع، فانها لا تغدو قضية شخصية، انما مشكلة او ازمة اجتماعية وسياسية. وهنا يصبح الحديث عاما وليس شخصيا.
كقاعدة عامة اقول ان كل الظواهر السلبية التي يشهدها مجتمعنا في مختلف المجالات (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، التربوية الخ) هي افرازات فوقية وخارجية للخلل الحاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة به وبعناصره الخمسة. وما لم نتصور هذا التشخيص ونتعقله تبقى المحاولات الهادفة الى حل مشكلات الدولة والمجتمع ناقصة وغير مجدية.
يشير القران الى ان المجتمعات البشرية في حالة تدافع وصراع على المستوى الخارجي وعلى المستوى الداخلي. “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ”. وموضوعات هذا التدافع كثيرة ابرزها واهمها السلطة. فالناس يتدافعون على حيازة السلطة منذ القدم، ومع السلطة المال والنفوذ والجاه والارض وغيرها. ولا مفر من ذلك.
ولهذا التدافع نتائج ايجابية كثيرة لكن بشرط ان يدار بطريقة حضارية سليمة ترسم معالمها وتحدد قواعدها منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري.
وقد ذكر القران الكثير من معالم هذه الطريقة، كما ان التجارب البشرية عبر الاف السنين توصلت الى افضل طريقة ممكنة لادارة التدافع بهدف تقليل المعاناة ومنع سفك الدماء وتحقيق العدالة في نتائج التدافع والتنافس والصراع. وهذه الطريقة هي الاليات الديمقراطية و التداول السلمي والدوري للسلطة بالانتخابات النزيهة والعادلة والشفافة. ولكي تنجح الاليات الديمقراطية في الاشتغال بطريقة محققة للهدف لابد ان يتوفر عدد من المتطلبات ولو بالحد الادنى.
وحين سقط النظام الدكتاتوري في عام ٢٠٠٣ عن طريق القوة العسكرية الاميركية، شرعت الطبقة السياسية المؤلفة من احزاب اسلامية وعلمانية، عربية وكردية، ببناء النظام الجديد. ولاسباب كثيرة، ليس الان محل الحديث عنها، ارتكبت هذه الطبقة الكثير من الاخطاء التي اطلقت عليها عنوان “عيوب التأسيس والممارسة”، التي منها المحاصصة، والتوافقية، والطائفية، والفساد، والتزوير، وازدواجية الموقف في العمل السياسي، وما يسمى الاستحقاق الانتخابي في تشكيل الحكومات، والاقطاعيات السياسية، وعدم الشفافية، وسوء الادارة الحكومية والمالية، واختراق الهيكل الاداري والتنفيذي للدولة من قبل الاحزاب، والانحراف البرلماني والديمقراطي، واسلوب ادارة الصراع السياسي، والثغرات في صياغة الدستور او فهمه، وغير ذلك الكثير.
واحدى فقرات التدافع السياسي هو التنافس بين فريقين سياسيين ضمن ما يسمى “المكون الشيعي”، هما التيار الصدري والتيار الذي يمثله نوري المالكي، وهو تنافس معقد متعدد الجوانب. وكان من المتوقع ان ترتكب الكثير من الممارسات الضارة في مجرى هذا التنافس تبعا للخلل الحاد في المركب الحضاري للدولة والمجتمع، حيث لم يكن من المتوقع ان تبقى العلاقة بين الطرفين بمنأى عن ذلك الخلل الذي اثر كثيرا عليها. فحدث ما حدث من فتنة عمياء وقانا الله شر انفجارها.
لا ضرورة للتصعيد، ولا ضرورة للتظاهرات، ولا ضرورة للتراشق بالكلمات الملتهبة؛ وانما اجتمعوا على كلمة سواء بنزع فتيل الازمة بمعالجة اختلالات المركب الحضاري من جذورها.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار