مقالات

عيادة طبيب أم باص باب الطوب

غازي فيصل عرب:
حينما كنت طفلا صغيراََ كانت والدتي تصحبني إلى المستوصف الصحي في منطقتنا حيث كان هناك طبيب يعالج أيَّ خَطبٍ يلمّ بي أو بأحد أفراد العائلة، ولم تكن العيادات التخصصيّة كثيرة كما هي عليها اليوم حيث كان الطبيب في المستوصف الصحي قادرا على معالجة معظم الحالات إلا التي تحتاج إلى مراجعة المستشفى.

كنت أرى في ذلك الطبيب ملاكا طيّبا رحيما مهتما بالإنسان أيما إهتمام ،وكان محبّا ،ومتعاونا مع الجميع،ويسعى إلى تقديم الخدمة ،ومساعدة المرضى،ويعمل على إزالة هموم، وأوجاع المرضى بوجهٍ بشوش ولسان عذب. أما اليوم فعند مراجعتك لعيادة بعض الأطباء في محافظة نينوى ستجد غير ذلك تماما وسأتناول ذلك في مقالتي هذه.

أن تكون عيادتك في الطابق الثاني أو الثالث وأنت تتعامل مع مرضى يعانون من آلآم الفقرات أو صعوبة في التنفس فهذا بحد ذاته إستهانة بالإنسان.
أن تتخلّى عن إنسانيتك فذلك أصبح واقع حالٍ عند البعض من الأطباء، وأن تستقبل المرضى بوجهٍ قميء فهذا ليس غريبا عن مَن فقد إنسانيته ،وأن تتكلمَ مع المراجعين بتعالٍ فذلك عائد إلى أخلاقك وما تربّيت عليه .

لكن أن تُدخِلَ في عيادتك خمسة مرضى مع مرافقيهم في آن واحد فهذا ما دفعني إلى كتابة مقالتي هذه، وكان من الواجب تشخيص مواطن الخلل، والتنبّه إليها ،وتسليط الضوء عليها؛ من أجل تداركها والعمل على تغيرها قدر الإمكان.

هذا المشهد ذكّرني بأصحاب حافلات الرّكاب في مرآب باب الطوب في التسعينات من القرن الماضي فمازالت سمفونيتهم تُعشعِش في ذاكرتي وتعيش في وجداني تلك السمفونية التي كانت تقول : ( فوت جوا عيني الباص فارغ ) !!!!!! مع أن الحافلةَ قد ازدحمت بالرّكاب وصاروا كموج البحر المتلاطم يتحركون في اتجاهات مختلفة وبحسب ميل الطريق وزحمة المرور .

وذكّرني أيضا بمشهد ما كان يفعله رجال الإنضباطية في الفترة نفسها حينما يعتقلون مجموعة من الفِتيّة الذين لا يحملون معهم بطاقاتهم التعريفيّة (الهوية) ويزجّون العشرات منهم في سيارة صغيرة ..حتى يصبح التنفس في هذا الإكتظاظ أشبه بحلم ابليس بالجنة. ناهيك عن بعض التغريدات التي تنمُّ عن قباحة أخلاقهم وسوء المعاملة. أو إحتجازهم تحت مسقّفات الصفيح لساعات طويلة مع إشتداد لهيب شهر آب .

كما وذكرني بمشهد تدافع التلاميذ وأحتجازهم في صفوف كرفانية لا تصلح للإقامة ولا تمتلك أبسط مقومات تؤهلها بأن تكون مأوى لأكثر من خمسين تلميذا.

إنَّ هذه المشاهد التي سبق ذكرها هي نسخة بطبق الأصل من عمل بعض عيادات الأطباء في محافظة نينوى حيث يأمر الطبيب السكرتير بإدخال مجموعة من المرضى في آن واحد في عيادة لا تتجاوز بضعة أمتار، وكأنَّ الطبيبَ أصبح لا يهتم بخصوصية المريض، وما يجول في خاطره أو ما يكتم من أسرار لا يحبُّ أنْ يطّلعَ عليها غيره فهو والحال هذه، وقع بين مطرقة الوجع الذي دفعه إلى مراجعة الطبيب دفعا، وبين سندان زحمة من حوله من المرضى.. فقد يلجأ المريض إلى خفت صوته لعلّه يخفي سرّه عن المراجعين الذين ينصتون ويصغون الى جزئيات حديثه مع حدوث تغيرات وانفعلات واضحة مع كل كلمة تلتقطها أسماعهم.. ناهيك عن ردّ الطبيب على تساؤلاته بصوت جهوري!!!!! يُسمعُ مَن هو خارج العيادة فيكون بهذه الحال أشبه بمن قيل فيه( رجع بخفي حنين ) فلا الوجعُ يهدأ ،ولا الطبيب يرحم.

أضف إلى ذلك عدم وجود صالة للإنتظار و كذلك غياب وسائل التدفئة أو التبريد وااااالخ…

🛑 ملاحظة : ان كل ما ينشر من مقالات تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعتبر من سياسة الوكالة، وحق الرد مكفول.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار