مقالات

حرب الفايروسات وعسكرة الفضاء ..!؟

بقلم ✍️ عمر الناصر / كاتب وباحث سياسي ..

بدأت الازمات السياسية الاقليمية تأخذ طابعاً يميل لونه الى الرمادي واجواءه بلاشك باتت مشوشة وضبابية، وأصبحت الدول تمتلك تكتيكا دبلوماسياً ذو لون مغاير عن السابق يختلف كلياً عما كانت عليه في الماضي ، لذلك نجد التراشق بالكلمات والتهديدات العلنية واستخدام وسائل الاعلام لن تجدي نفعاً في معالجة تصريحات الخصوم، ولان استخدام تكنولوجيا الصمت واتباع سياسة الحرب الاليكترونية الهادئة كورقة ضغط اضافية لا تأخذ منا الا كبسة زر واحدة فتقلل من الجهد والوقت وتجنب الفوضى والضرر الحاصل في عدم وجود مركزية القرار .

الحروب الباردة عادة ماتدار بالوكالة ويمسك بالريموت كونترول خارج حدود البلدان المتصارعة لغرض ابعاد الامن القومي عن التأثيرات السلبية التي تلقي بظلالها على الامن المجتمعي، ومنها محاولة ضبط ايقاع الاعلام بصورة ذكية عند حدوث الازمات لمنع تأجيج الرأي العام المحلي على وجه الخصوص والدولي بشكل عام.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ وبروز اقطاب معينة اطلق عليهم الدول المنتصرة بدأت موازين القوى تتأرجح لفرض الهيمنة الفعلية على العالم ، فظهر بذلك معسكرين هما المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي او مايطلق عليهما بالمعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي، وهنا لابد من الاشاره الى ان كلا القطبين بدأوا بتغيير طريقة بالتفكير بنفس الوقت مباشرة بعدما وضعت الحرب اوزارها ، ولأن المفهوم الدقيق لسباق التسلح لا يعني بالضرورة ان يكون فقط بتطوير تكتيك صناعة الاسلحة فقط وانما هو ممصطلح واسع يشمل جميع اشكال التقدم العلمي وبشتى المجالات عسكرية كانت ام اقتصادية ،وما نشهده اليوم من تطور تكنولوجي عالي المستوى قد اوصل هذه الدول بالفعل الى امكانية جعل العالم قرية صغيرة كما يصفها البعض بالعولمة، وان ارسال بخار الماء الى السماء لغرض تحفيزها على سقوط الامطار بالإجبار ماهو الا دليل صارخ على أننا اصبحنا مملوكين لهم من حيث نشعر او لانشعر، اي اننا اصبحنا عبداً للتكنولوجيا وما وجود الالواح والهواتف الذكية في حياتنا اليومية وامكانية تحكمهم بعقولنا ومعرفتهم ادق تفاصيل اسرارنا حتى في داخل غرفنا التي لم تعد لها خصوصية تذكر هو اثبات قاطع ودامغ لما تحدثت عنه سلفاً، بل حتى هواتفنا اضحت هي ايضا المرافق الاقدم لنا التي تدخل معنا الى الحمامات وكأنها مغناطيس صمغ قد التصق بأيدينا.

التحرك الاستباقي للدفاع عن الامن القومي للدول من خارج الحدود الاقليمية هي من اكثر السياسات نجاحاً في القرن الواحد والعشرين ، وعلى الرغم من ان هذه النظرية ليست حديثة وقد ترجمها الهجوم الياباني بدقة على ميناء “بيرل هاربر” الأميركي عام 1941 والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وهي ماتسمى بالضربة الاستباقية او الضربة الوقائية الا ان سياسة المحاور وكسب الحلفاء بأستراتيجيات دقيقة بعيدة المدى اساس متين في عملية السيطرة على الكوكب.

يعد النمو الاقتصادي والصناعي هو من اهم مفاتيح الدخل القومي للدول كافة، وان السعي لايجاد وسائل ناجعة لغرض استقطاب وجذب رؤوس الاموال الخارجية من خلال فتح ابواب الاستثمار سيزيد حتما من دعم الامكانيات والطاقات البشرية ، وهذا ماعهدته وعملت عليه دول المعسكر الشرقي المتمثلة بدول “العرق الاصفر ” لنجد ان هنالك ثمة ترابط وثيق بين جودة السمعة الدولية والنمو الاقتصادي ليكون انذاك تناسبهم طردياً ، لذلك تجد الكثير من عوام الناس يحلل ويفسر بأن سبب وجود الحروب الذكية ما هي الا من اجل تقليل الخسائر المادية والبشرية للاخطبوطات المتصارعة وهذا جزء من الحقيقة وليست كلها طبعا .

لقد استيقظ العالم اليوم على وقع احداث متسارعة لم يشهدها التاريخ من قبل والقارئ والباحث في الشأن السياسي سيقرأ قطعاً مابين السطور وسيعي كلياً بأن ما الت اليه الامور مؤخرا لم تاتي بمحض الصدفة او انها من الامور الطبيعية التي قد تحدث في حياتنا اليومية، فالجمرة الخبيثة مثلا تذكرنا بمصانع السياسة الاميركية ومراكز الفكر هناك والتي صدقها العالم بأسره على انهاء لبنة الاسلحة البايولوجية حتى وان كانت مزحة سمجة قد انطلت على اغلب الدول ،وسرعان ما انتفت الحاجة اليها بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام ٢٠٠٣، فالمختص يرى على ان سر قوة الخصم تمكن عند وقت توجيه الضربة اليه .

لقد انتفت الحاجة للحروب البيولوجية ومنع انتشار اسلحتها اصبح مرهون بمدى التزام الدول بمعاهدة انتشار الاسلحة النووية لكن لا بد من ان يبقى هنالك صبي شقي ومتمرد او بالامكان وصفه بصوت مزعج يؤرق ويسبب الصداع والشقيقة اغلب الاحيان ، ولاينصت لما تم الاتفاق عليه مع الاخرين لتوجه بعدها اصابع الاتهام حتى يثبت اخلاصه وحسن نواياه تجاه الاخرين .

لقد وصلت الصين مؤخراً الى المحطة الاخيرة من سباق التسلح الذي تحدثت عنه في انفاً ، حتى باتت هي المحور الاساسي والمحرك الرئيسي للكثير من التوافقات الدولية والاقليمية تتبع السياسة الناعمة والتهدئة في كسر الخصوم من خلال اللعب بورقة الفيتو والورقة الاقتصادية لترجيح كفتها في ميزان القوى ، وبات واضحاً للعيان من خلال موقفها من ازمات الشرق الاوسط وطريق الحرير ، حتى باتت ان تكون قاب قوسين او ادنى من ان تتسيد المشهد على الرغم صعوبة الاداء وقلة الوفاء من قبل بعض الحلفاء .

صناعة الازمات وادارتها وحلها عادة مايكون منبعها ومصدرها واحد والحرب البايولوجية وصناعة الفايروسات باتت من اخطر انواع جرائم الابادة الجماعية التي تفتك بالبشرية والتي على اثرها تم الاتفاق على اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الاسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والأسلحة التكسينية وتدميرها في ١٠ نيسان ١٩٧٢ وفتح باب التوقيع على اتفاقية الأسلحة البيولوجية، وهي أول معاهدة متعددة الأطراف لنزع وحظر مثل تلك الاسلحة ومنع إنتاج وتخزين أسلحة الدمار الشامل لكنه على الرغم من ذلك لازالت هنالك دول لم تكترث لوجود مثل هذه المعاهدة مثل كوريا الشمالية.

وقريباً سنشهد دخول تكتيك جديد في اشكال النزاعات العبثية ولننتهي من صفحة حرب الفايروسات الاقليمية وانتاج اللقاحات الى حرب الاقمار الصناعية وعسكرة الفضاء واستهداف التكنولوجيا المتطورة والامن السيبراني من خارج الغلاف الجوي، وواقع الحال سيفرض نفسه بقوة على المشهد السياسي الدولي من اجل للمحافظة على ماتبقى من مكانة وهيبة وعنجهية الدول المتصارعة من باب فرض منطق القوة على حساب حصد الارواح البشرية بطريقة مستحدثة للموت اكثر رأفة من الطريقة الكلاسيكية التي اعتدنا عليها ليكون اكثر اهمية من سباق التسلح التقليدي بين معسكر الدب الروسي والتنين الصيني وبين العم سام والقارة العجوز.

عمر الناصر/ كاتب وباحث سياسي

خارج النص / نجاح اختبار روسيا لتجربة استهداف وتدمير القمر الصناعي اخاف واشنطن وهي بداية لتصفير عداد المعادلات الاقليمية.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار