مقالات

المعارضة والموالاة

محمد عبد الجبار الشبوط:
في مجتمع ديمقراطي حضاري حسن التنظيم من الطبيعي ان يعترف المجتمع وسلطاته الحاكمة بفئتين من الناس: فئة توالي الحكومة القائمة، وفئة تعارضها. وتتقبل كلا الفئتين الفئة الاخرى وتتعايش معها. ومن باب اولى ان الحكومة تتقبل ايضا هذا التنوع في موقف المواطنين منها. لا يمكن، في الدولة الديمقراطية، ان يكون كل الناس مؤيدين او معارضين للحكومة. ويعبر الناس عن معارضتهم او تاييدهم عبر صناديق الاقتراع، من بين طرق كثيرة اخرى مثل الاعلام والتظاهرات وغير ذلك. الانتخابات الرئاسية الاخيرة في الولايات المتحدة كشفت مثلا عن وجود حوالي ٧٩ مليون مواطن اميركي (٥١٪) معارض للرئيس الحالي ترامب، مقابل ٧٣ مليون مواطن (٤٧٪) مؤيد له. هذا دون حساب عدد الذين لم يدلوا باصواتهم. هذه الارقام تعبرعن انقسام خطير في المجتمع الاميركي.
وجدير بالانتباه، انني هنا اتحدث عن الحكومة، وليس الدولة، لانه من شروط نفس المجتمع الموصوف اعلاه، ان يتحقق قبول عام بالدولة وهويتها وشكلها. والحكومة ادنى درجة من الدولة في الهندسة السياسية. ومفهوم انك تعارض الحكومة، لكن ليس مفهوما انك تعارض الدولة، الا اذا كان الخلاف بينكما جذريا كالخلاف مثلا بين لينين ونظام القيصر، او الخلاف بيننا وبين نظام البعث.
يتحدد موقف المواطن من الحكومة بناء على اعتبارات كثيرة منها تكوينية موروثة كالعرق او الطائفة، ومنها سياسية كالانتماء الحزبي، ومنها الاعتبارات الوظيفية functional، سوف افصل الكلام حولها، لانها اقرب الى الطريقة الحضارية المتبعة في الدولة الحضارية الحديثة.
تعتمد الطريقة الوظيفية على عدة نقاط منها:
اولا، الطريقة التي وصلت اليها الحكومة الى سدة الحكم. ويجب ان تكون الطريقة ديمقراطية معبرة بشكل لا يرقى اليه الشك عن ارادة الناس التي عبّر عنها الناخبون. اما الذين لم يشاركوا في الاقتراع فهم قد خسروا هذه الفرصة بمحض ارادتهم. وعادة ما تحدد الدساتير والقوانين الطريقة الديمقراطية والدستورية الواجبة الاتباع. في العراق، مع ان الدستور يحدد في المادة الاولى هوية الدولة بانها ديمقراطية برلمانية، الا ان الية تشكيل الحكومة التي تحددها المادة ٧٦ لا تعبر بشكل سليم عن روح الديمقراطية ومقاصدها. ومع ذلك فقد تم القبول بها والعمل بها في تشكيل حكومتي نوري المالكي، ولم يتم العمل بها في تشكيل حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي. اما حكومة حيدر العبادي فقد كانت حصيلة ضغوطات مختلفة.
ثانيا، المؤهلات الشخصية والصفات التي يتطلبها المنصب. وعادة ما تنص الدساتير على بعض هذه الصفات وتترك الباقي لنباهة الناخبين وتقييماتهم الذاتية. وقد يكون توفر الحد الادنى من الشهادة الدراسية (مثل البكالوريوس) من بين هذه الشروط.
ثالثا، اداء الحكومة وقدرتها في ادارة البلد بشكل مقبول من قبل اغلبية محترمة من الناس، وتقديم الخدمات الضرورية، وادارة الازمات ومواجهة المشكلات بطريقة ذكية وعملية. وفي العراق، تعرضت الحكومات الى مختلف اشكال الاختبارات مثل الارهاب في مرحلتيه (القاعدة وداعش)، والخلاف مع اقليم كردستان، والصراع الايراني الاميركي، وانهيار اسعار النفط الخ. هذا اضافة الى عيوب التأسيس والمحاصصة والفساد (وكلها انعكاسات للخلل الحاد في المركب الحضاري) مما ادى الى تدني كفاءة الحكومات المتتابعة، وعدم قدرتها على اداء وظائفها والتزاماتها المنصوص عليها في الدستور.
يختلف الناس في استنتاجاتهم ازاء النقاط الثلاث المذكورة. وينقسمون الى فريقين: موالاة ومعارضة، وربما هناك فريق ثالث هم الاغلبية الصامتة. ولا مشاحة في ذلك. ولابد ان تسود علاقات الاحترام الفرقاء المختلفين، والحفاظ على حرية التعبير عن الرأي، واتباع الاساليب السلمية والحضارية في التعبير عن الموالاة والمعارضة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار