مقالات

افتوني ماذا اقول لابني ؟

بقلم ✍️ عمر الناصر / كاتب وباحث سياسي..

يقال ان الصراخ على قدر الالم فكيف اذا كان الصراخ قد مزق الاغشية الداخلية للوجدان وشق طريقه بأتجاه لملمة اشلاء وبقايا انسان، هو عاجز فعلياً عن التعبير والنطق بما يشعر به القلب والعقل ولايستطيع ترجمته اللسان، وقد نتوقف قليلاً من اجل المراجعة لغرض اعادة ضبط مصنع اليأس الموجود لديناً لغرض استعادة جزء قليل من الصمت الممزوج بالدهشة في ظل عدم توفر الادوات المناسبة للاجابة .

في غضون اسبوع امتلئت جمجمتي من تساؤلات ابني الذي هو في الثامنة من العمر والذي يزور بلده الام لاول مرة ولم اجد لجميع تلك الاشياء اجابة مقنعة ، بل ان جميع المعاني والتعابير وطرق الهروب من الاسئلة المألوف منها وغير المألوف تم استنفاذها معه ولم اعد استطيع الحصول على مبرر لابتسامتي الممزوجة مابين ضعف حجتي في الاجابة ومابين مجاملة ابني الذي لم تعد براءته تتحمل جميع محاولات التزويق والتجميل من قبلي في ايجاد مبرر لاداء الفاشلين و الفاسدين والتي للاسف لم تجدي نفعاً بأقناعه بسبب المقارنة بين مالديه من واقع جميل قادم منه ومشهد صادم جاء اليه .

لأول مرة اتأكد حقاً بأن جزء من نظرية الصدمة والرعب قد رأيتها فعلياً قد تسللت و طُبقت بحذافيرهاً معي عندما قرأت لغة الجسد في عيناه التي تحتوي على براءة الطفولة الفطرية لانها المرة الاولى التي اقف بها عاجزاً عن الاجابة بشكل حازم وقاطع امام صبي عنيد وقوي الشخصية وذكي هزتني ردود افعاله وهزمني حواره ومقارنته الواقعية بين بلده الذي ولد وترعرع فيه وبلده الاصلي الذي جاء ليراه لاول مرة .

وكلما اردت التريث قليلاً في الرد او تزيين وتحوير الاجابة اجبرتني نظراته على التراجع والتقهقر وكأنها تخبرني ” قُل الحق ولو كان على نفسك ” او كأنني اشعر انه يخبرني بأن النجاة في الصدق كون اجوبتي فعلاً لم تكن صادقة معه فاصبحت ادور في فلك الصراع الذاتي بين امران احلاهما مُر، في وقت جهاز كشف الكذب لديه فعال بشكل جيد ويعمل بصورة دقيقة ، لاعيد وقتها المراجعة لاصطدم من جديد بأن الكذب اهم واولى من خدش سمعة وصورة بلد جراحة لازالت لم تندمل بعد.

ونحن نسير في الشارع اشتريت لأبني قطعة حلوى ( نستلة ) واستمرينا بالتجول لمدة اكثر من ساعة ونصف ثم بعدها رجعنا الى المنزل فدار حوار بيننا عن بعض الحالات الموجودة في الشارع اتلعثم في الاجابة احياناً واتوقف واغير مسار الحديث احياناً اخرى ، لكنه كان مصراً على انتزاع اجابة مقنعة تسكته وترضي قناعته وعناده وغروره :

ابني … لماذا كل هذه النفايات في الشارع ؟
انا … ممم !!! حبيبي لان هنالك عجز في توفير سلات النفايات ياولدي !!؟

ابني … وليش اصلاً يذبون النفايات في الشارع ميعرفون تنتشر امراض !؟
انا.. ممم..!!. لانهم لايجدون سلات نفايات
ياولدي !؟؟

ابني … بس همه يگدرون يبقوها مثل ما اني احتفظت بغلاف النستلة لحد ما يرجعون لبيوتهم مو صحيح بابا !! وفتح يده الممتلئة برطوبة العرق مع لون غلاف الچكليتة وكانت صدمة لي فعلاً انذاك لكونه رفض بقناعة تامة ان يرمي الغلاف في الشارع حتى وان كان مليئاً بالنفايات ، افتوني بالله عليكم ماذا اقول لأبني !!؟

انتهى ….

عمر الناصر/ كاتب وباحث سياسي..

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار