الثقافية

سلوك المرأة المتعالية بين الدراما والواقع

سلوك المرأة المتعالية بين الدراما والواقع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.أمل الأسدي

أأوه… أأوه
أعلمُ أن المتلقي استغرب التعبير (أأوه) الذي بدأت به ولم يفهم معناه، ولكن سرعان ما يتضح له المعنی المقصود؛ فـ أأوه تعبير اقتبسته من مسلسل( عفاريت السيالة) قالته”قسمت” الفنانة” صفية العمري، وهي تحاور”رزقة” الفنانة المدهشة” عبلة كامل” فعبرت به عن تكبرها وتعاليها علی ” الغلبانة رزقة”
وليس في هذا المسلسل فقط؛ تتم معالجة التكبر والتعالي، فهناك الكثير من الأعمال التي تناولت هذا الموضوع ولاسيما المسلسلات التي اشتركت فيها صفية العمري ومنها مسلسل(ليالي الحلمية) فقد قدمت دور نازك السلحدار، السيدة المتعالية، التي أطاح بها تكبرها وتعاليها، والأعمال التي انتقدت التكبر واستهجنته كثيرة ولا مجال لذكرها هنا.
أما علی صعيد الدراما العراقية، فأيضا تم تناول الشخصية المتكبرة، من ذلك مسلسل
( الأماني الضالة) اذ عانت شخصية ندی”هديل كامل” من سلوك نجوة” هناء محمد” وأمها ” فوزية عارف” وسوء معاملتهما لها، مع أن شخصية “نجوة” كانت فقيرة ثقافيا وتفكيرها محدود، ولكنّ أنانيتها وإرث عائلة أمها المنتظر جعل سلوكها علی هذه الشاكلة.

ولعل أكثر الأعمال التي يتذكرها المتلقي العراقي، وتظهر فيها الشخصية المتكبرة هو مسلسل(مناوي باشا) وشخصية “سعاد خاتون” التي قدمتها” إيناس طالب”
فالخاتون ظهرت بشخصية متعالية قاسية، لاتحب إلا نفسها!! وأكثر ما يتذكره الجمهور هو صفعة” قسمة ام نص لسان لسعاد خاتون” فقد كان مشهدا ناجحا، أشعر المتلقي بلذة تأديب المتكبرين!
وأدت” آمال ياسين” دور “قسمة ام نص لسان” ومازال مشهد الصفعة في أذهان الناس، وكثيرا ما تراهم ينشرونه ويعبرون عنه بالعامية العراقية أنه” اقوی راشدي بتاريخ الدراما العراقية”.
ونعود الی عفاريت السيالة و أأوه صفية العمري وتمظهراتها في الواقع، فالمتأمل في واقعنا يلمس تراجعا إنسانيا كبيرا بالنسبة لسلوك النساء، فتجد الكثير منهن متكبرات متعاليات علی أزواجهن وأهل أزواجهن!!
وبمنتهی الجرأة والوقاحة لاتزور إحداهن أهل زوجها ولا تسلم عليهم في عيدٍ أو أية مناسبة اجتماعية أخری، وقد تمر سنوات وهي لم تدخل بيت زوجها، ولم تر والديه، وقد يصل الأمر الی منع أبنائهن من زيارة بيت جدهم أيضا!! وهذا الأمر لايتقيد بزوجة الابن فقط، فتجده بين الأقارب وبنات الأخ وبنات الأخت …الخ، إذ هناك حال سيئة تعكس التدني في السلوك، والانصراف عن العادات والتقاليد المحمودة، ومن قبل ذلك تعكس ضعف التدين والابتعاد عن الأخلاق الإسلامية الحميدة!!
وتعكس كذلك خواءً إنسانيا، وهشاشة روحية، وتعلقا دنيويا، وحياةً سطحية تافهة!!
فمن أنتِ حتی تترفعي عن زيارة والدة زوجك؟ زوجكِ الذي أنجبته هذه السيدة؟ ومن أنتِ حتی تفضلي البقاء في السيارة علی النزول وإلقاء التحية علی أهل زوجك؟ وما هي مؤهلاتك التي تجعلك تتكبرين؟ ألا تفكرين بيوم تُرد فيه الأعمال إليك؟؟
للأسف كلما منّ الله علی الإنسان ونعّمه، استبد وطغی وتكبر!! وقد قال تعالی: ((فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)) هكذا يتحدث الله تعالی عن المستكبرين المستنكفين، وهم بلاشك لاينتمون الی الأخلاق المحمدية، ومن تستكبر علی الناس، فهي لاتنتمي إلی السيدة خديجة والسيدة الزهراء والسيدة زينب(عليهن السلام) إنما تنتمي الی أم جميـل(حمالة الحطب) وهند (آكلة الأكباد)!!
ولا أدري كيف يرتضي الزوج علی نفسه أن تهينه زوجته في أهله؟
وكيف يسمح لها بذلك وهو يعلم أن الله تعالی قرن عبادته بطاعة الوالدين ورضاهما: ((وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ۩ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ))
وقال في موضع آخر: (( وَٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُوا۟ بِهِۦ شَیۡـࣰٔاۖ وَبِٱلۡوَ ٰ⁠لِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنࣰا وَبِذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱلۡجَارِ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالࣰا فَخُورًا))
إذن، الطريق مفتوح أمام الجميع، فمن يرد أن يكون من المتكبرين، فليذهب وليخرج من رحمة الله ومحبته، ومن يرد أن يكون تحت رحمة الله ومظلته المحمدية، فليتواضع ويتأدب في حضرة الوالدين، وهذه ثقافة القرآن الكريم التي يجب أن نكون تحت ظلها الظليل، أما التكبر فهو ثقافة إبليس الذي أبی واستكبر وكان من الكافرين.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار