تقارير وتحقيقات

بعد 30 سنة من الحكم الذاتي.. لماذا يطلب موظفو كردستان نقل رواتبهم إلى بغداد؟

صلاح حسن بابان-
دفعت الأزمات الاقتصادية والسياسية المتتالية والفساد المستشري في إقليم كردستان العراق موظفيه للخروج في احتجاجات غاضبة؛ للمطالبة بنقل رواتبهم إلى وزارة المالية العراقية لتأخر صرفها لأكثر من 50 يوما، واستقطاع 21% منها ضمن “الخطوات الإصلاحية” التي أطلقتها حكومة الإقليم.

وتأزمت الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الإقليم مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، وخسارته لمناطق شاسعة غنية بالنفط كانت تؤمن له واردات ضخمة مع تعمق الخلافات بين أربيل وبغداد، وإصرار الحكومة العراقية على عدم دفع مستحقات كردستان لوجود مخالفات في بيع وتصدير النفط والغاز وعمل المنافذ الحدودية.

وبدأت حكومة كردستان العراق بتطبيق نظام ادخار الرواتب في فبراير/شباط 2016 بنسب تراوحت بين 15% إلى 75%، ثم أجرت تعديلا في 2018 على النظام لتصبح نسب الاستقطاع بين 10% إلى 30%، عندما كان رئيس كردستان العراق الحالي نيجيرفان بارزاني رئيس وزراء حكومة الإقليم آنذاك.

بناء السلطة
ويشهد الإقليم احتجاجات غاضبة ضد الفساد المستشري، وتأخر صرف الرواتب لنحو شهرين تقريبا، ورفضا لاستقطاع ما نسبته 21% من الرواتب مع ازياد معدلات الطلاق والانتحار والتفكك الأسري وهجرة الشباب إلى الخارج، مما دفع موظفي الإقليم إلى تقديم طلبات لنقل رواتبهم إلى وزارة المالية العراقية التي لا تتأخر في صرف رواتب موظفيها رغم الأزمات الموجودة في البلاد.

ويقول الصحفي الكردي سيروان محمد للجزيرة نت “إن الطبقة السياسية الكردية فشلت في بناء الحكم الرشيد بكردستان العراق؛ لأنها عملت من أجل بناء السلطة لا بناء الدولة”.

وعزا محمد -وهو مدير إعلام إحدى الدوائر الحكومية في كردستان العراق- هذا الفشل إلى عدم الأخذ بآراء ونصائح المختصين والخبراء في المجال الاقتصادي والمالي، واصفا إدارة الإقليم التي لم تضع قانونا للموازنة منذ سنوات بأنها إحدى أذرع الفساد الطويلة.

وشدد على أن الأزمة الاقتصادية الحالية في كردستان سوف تستمر دون إيجاد حلول لها؛ لأن حكومة الإقليم عاجزة عن معالجة المشاكل التي تواجهها، وبالتالي غير قادرة على حل مشكلة تأخر رواتب موظفيها، مشيرا إلى أن الإقليم ما زال يفتقر إلى الرؤية الاقتصادية والمالية، ولا يمتلك بنكا مركزيا فضلا عن إفلاس جميع مصارفه واستخدامها أسوأ الأنظمة المالية والاقتصادية، على عكس الحكومة العراقية التي لديها البنك المركزي، وتعمل وفق النظام المصرفي المعتمد عالميا.

وتوصلت حكومة كردستان العراق مؤخرا إلى اتفاق مع بغداد بعد فشل العديد من الاجتماعات واللقاءات بينهما حول ملفات تصدير وبيع النفط والمنافذ الحدودية، حيث يتضمن الاتفاق تمويل الإقليم بمبلغ قيمته 320 مليار دينار عراقي (بحدود 268 مليون دولار) شهريا لكل من أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري لتسديد بعض نفقاته، مع استمرار نظام استقطاع الرواتب وتأخر توزيعها.

من هم الفضائيون؟
يُشكل عدم وجود أرقام دقيقة لدى الحكومة العراقية عن الرواتب الشهرية التي تدفعها حكومة كردستان لموظفيها معضلة كبرى أمام اتفاق الطرفين، فالإقليم يعترف بوجود نحو (200-250) ألف موظفي فضائي، فيما يكشف عضو البرلمان العراقي عن الكتل الكردية ريبوار كريم عن وجود نحو 500 ألف موظف فضائي يستلمون رواتب في الإقليم.

وتشير الإحصائيات الدقيقة -حسب حديث كريم للجزيرة نت- عن وجود نحو 750 ألف موظف حقيقي من مجموع 1.250 مليون موظف يستلمون الرواتب من حكومة الإقليم.

ويرى ريبوار أن كردستان فشلت في الاستقلال الاقتصادي والذاتي الذي أعلنته خلال السنوات الماضية وعملت به، مؤكدا أن حل إشكالية رواتب موظفي الإقليم تكمن بنقلها إلى وزارة المالية العراقية، وتوزيعها على موظفي كردستان بشكل مباشر من خلال الحساب المصرفي، معززا رأيه بعدة إيجابيات لهذا التوجه منها إنهاء رواتب الفضائيين التي سببت انهيارا تاما للاقتصاد في الإقليم.

وسينعش نقل رواتب موظفي كردستان إلى وزارة المالية العراقية الحياة الاقتصادية في الإقليم بعد سنوات من النكبات المالية وتدهور الوضع المعيشي، في وقت توجد عدة دوائر بكردستان العراق تستلم راتبها من بغداد دون أي مشاكل، كما يرى ذلك كريم، مؤكدا أن هذه الخطوة لن تزعزع كيان الإقليم الاقتصادي والسياسي كما يخشى البعض.

وأعربت وزارة المالية العراقية عن استعدادها لتقبل ومناقشة هذه الخطوة والتباحث حولها، مشترطة -حسب كريم- أن يكون لكردستان قائمة واضحة وصريحة برواتب موظفيها، معربا عن أسفه لفشل حكومات الإقليم في عدة مفاصل مهمة أبرزها الملف الاقتصادي خلال 30 سنة من الحكم الذاتي السياسي والاقتصادي بعيدا عن العراق.

كردستان ترفض
بدوره يرفض برلمان الإقليم هذه الخطوة، ويعدها غير دستورية وبعيدة عن القانون، عازيا السبب إلى أن كردستان كيان مستقل كما هو مذكور في الدستور العراقي، ويتمتع بإدارته المستقلة وفقا للقانون العراقي، وهو المسؤول عن تأمين رواتب موظفيه.

وتعود أسباب المشاكل الاقتصادية الحالية في كردستان إلى فشل الاستقلال الاقتصادي الذي أعلنته حكومة الإقليم، ولم تنجح في تأسيس أسس اقتصادية ومالية رصينة، كما يعزو ذلك رئيس اللجنة المالية في برلمان الإقليم زياد جبار، وتابع للجزيرة نت قائلا “علاقتنا مع بغداد مبنية على أساس الدستور الدائم الذي صوّت عليه الشعب العراقي ومنه الكردي عام 2005”.

وامتعض جبار من بناء العلاقات السياسية والاقتصادية بين أربيل وبغداد على أساس اجتهادات وصفها بالجانبية من بعض الأطراف، داعيا الحكومة العراقية إلى الالتزام بالدستور وإرسال مستحقات كردستان المالية، التي قطعتها نتيجة الخلافات السياسية بين الطرفين منذ عام 2014، وازدادات عمقا بعد ظهور تنظيم الدولة.

تدهور معيشي
تراجع المستوى المعيشي في كردستان خلال السنوات الأخيرة؛ مع تراجع تطور المستوى المعيشي للفرد بقياس الدخل النقدي له وكم يشتري من السلع وتأمين الخدمات والإشباع من الحاجات، إلا أن الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي د. خالد حيدر يرى بأن نقل رواتب موظفي الإقليم إلى وزارة المالية العراقية سيعالج انخفاض المستوى المعيشي في كردستان.

وانتقد حيدر في حديثه للجزيرة نت غياب التخطيط العلمي الدقيق للموارد المتوفرة في كردستان من خلال الجهات الحكومية، والتي أدت إلى ما عليه الإقليم الآن من أزمات تلو الأخرى، داعيا للاستفادة من الخبرات المتراكمة من خلال التدقيق والإحصاءات الدقيقة للقدرات المالية والبشرية، ومن ثم وضع أهداف مناسبة بالاتفاق مع بغداد حول كيفية إدارة الموارد المالية والاقتصادية في كردستان.
المصدر : الجزيرة

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار