الدينية

رحيل النور

احمد الحسيناوي..
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم…
و الصلاة و السلام على اشرف الانبياء و المرسلين..
محمد و اله الطيبين الطاهرين…
نستذكر اليوم بطل من ابطال الاسلام.. عاش مجاهدا و مات شهيدا.. لا يريد من ذلك سوى وجه الله تعالى و تادية لتكليفه الشرعي… انه الشهيد السعيد آية الله العظمى ولي امر المسلمين السيد محمد الصدر الموسوي (قدس سره)..
حيث رحل عنا في الرابع من ذي القعدة الحرام من عام ١٤١٩ للهجرة مضمخا بدمائه و دماء ولديه البارين السيد مصطفى و السيد مؤمل (تقدست اسرارهم اجمعين)…
نقف اليوم على ذكرى عظيمة و جليلة و اليمة في نفس الوقت لنستذكر معاني التفاني و الفناء و معاني التضحية و الفداء و معاني الجهاد و القوة في رفض الباطل و اهل الباطل..
ابتدأ حبيبنا الشهيد حياته في بيئة علمية حوزوية اخلاقية عرفانية… لا تعرف للكسل و الملل طريقا.. بل طريق العلم و العمل و طريق الجد و الاجتهاد…
كان يصوم نهاره و يقوم ليله… منذ نعومة اظفاره لا يعجزه شي. و لا يمنعه مانع… حتى اشتكى منه ابواه من شدة الرفق به و الشفقة عليه… شكوه الى عمه الشهيد محمد باقر الصدر من كثرة الصيام… و خافا عليه من الضعف و المرض…
كات شابا طموحا مجدا في التعلم و معطاءً في تفاعله لما يدور حوله من احداث و مناسبات.. فكان يكتب المقالات و الاشعار اضافة الى المواضبة على درسه و بحوثه و عباداته و مجاهداته الروحية و النفسية…
انظم الى كلية اصول الفقه و عمره عمر الشباب بمعية طلاب الحوزة الشريفة بعد ان اخذ المقدمات في جامعة النجف الاشرف الدينية… و كانت كلية الفقة من الكليات التي لا يدرس فيها الا من كان ذو حظ عظيم…
تخرج و بيده شهادة جمعت اعلى الدرجات في كافة الاختصاصات من فقه و اصول و علوم اكاديمية اخرى كالفيزياء و الكيمياء و الرياضيات و اللغة الانكليزية و غيرها… و التي استفاد منها فيما بعد فائدة كبيرة…
كتب في كافة المجالات البحثية و وضع بصمته الانيقة ناهلا من علوم القرآن و السيرة النبوية و تاريخ الائمة الاطهار عليهم السلام..
حيث كتب موسوعته العظيمة.و الاولى من نوعها و الفريدة في موضوعها.. تلك هي ( موسوعة الامام المهدي ع) في اربعة اجزاء لم يترك شاردة و لا واردة الا جاء بها فيما يخص العقيدة المهدوية و التي كلما طبعت نفدت من الاسواق و المكتبات…
مر حبيبنا الشهيد في مراحل عصيبة تمثلت في اعتقالات ظالمة نتيجة جهاده و عدم سكوته عن الظلم و اعلاءً لكلمة الحق و الدين و الاسلام و المذهب.. حيث واكب عمه السيد الشهيد الاول محمد باقر الصدر و درس عنده الفقه و الاصول و فهم مطالبه الاصولية الجديدة و مناقشاته الفقهية العديدة و قررها تقريرا واضحا و عميقا لا لبس فيه و لا تشكيك.. حتى اذن له بالقاء البحث الخارج على طلبة عديدين بعد ان طلبوا من الاستاذ الكبير محمد باقر الصدر ان يجعل لهم استاذا.. و بالفعل قام الطالب المجد بالامر و بدأ الدرس على خير ما يرام و من هنا يقول سماحته : انني شعرت و لاول مرة ان حظيت برتبة الاجتهاد و انني قادر على الاستنباط بكل سهولة و اقتدار…
و بعد اعتقال الاستاذ الاكبر الشهيد الاول (قدس سره) و من ثم اعدامه على يد الطاغية… انطوى حبيبنا الصدر الثاني على نفسه و اعتكف في بيته و انكب على التاليف و العبادة مستغلا التقية المكثفة من السلطان الجائر و الذي بانت شراسته و ظلمه الكبيرين فلابد من التقية المكثفة حفاظا على هذا الخط الشريف و العائلة الكريمة…
و في هذه الفترة الحرجة كتب لنا كتاب هو من اعظم الكتب الفقهية و انبلها. ذلك هو كتاب ( ما وراء الفقه) و الذي يعتبر كتاب فريدا من نوعه في ما يخص الفقه الاستدلالي المبسط و الذي ينفع ان يكون ثقافة دينية و علمية في جميع ابواب الفقة الاسلامي حيث نال جوائز عديدة في معارض الكتب الاسلامية و العالمية…
و كتب ايضا كتاب (فقه الاخلاق) و الذي يعتبر جواهر تحت التراب كما عبر هو عنه بذلك نظرا الى عمقه و نكاته العرفانية و فائدته للسالكين طريق الله.. بحيث جمع بين الفقه و الاخلاق و قلما فعل غيره…

و يستمر شهيدنا الغالي في مسيرته المعطاء الى ان تشرفت به المرجعية الدينية و انفتحت له ابواب التصدي لشؤون المؤمنين و فعلا بدأ وحيدا من غير انصار او طلبه يدعون له فبدأ مرجعيته بفتح البراني في بداية شارع الصادق ع مجاورا امير المؤمنين حاله حال باقي المتصدين من طلبة المحقق الخوئي بعد وفاته في عام ١٩٩٢..
بدأ شهيدنا الحبيب و هو قد رسم في مخيلته هدفا ساميا كبيرا من خلال تصديه للمرجعية، فلم يضع المرجعية هدفا له بل كانت وسيلة من وسائله الاخرى في تحقيق ما يصبو اليه من رضا الله و نفع المجتمع و هدايته و عكس ما كان يفعل الاخرون حيث اتخذوا المرحعية مطية لاهدافهم الدنيوية و وسيلة لاطماعهم الدنيئة لا وفقهم الله في الدنيا و الاخرة…
حيث بدأوا بمحاربته حربا شعواء كما هو صرح بذلك في لقائاته المتلفزة و المسموعة و في كثير من خطبه من على منبر الجمعة.. حيث فضحهم و فضح خططهم الخبيثة في اسقاطه معنويا و تفريق الناس عنه و اتهامه بشتى التهم و التي لا تليق بهكذا شخصية و لا هكذا عائلة مضحية و عريقة مع الاسف الشديد…

و لم يرَ الشعب العراقي مثل هكذا مرجع يصعد المنبر و يخطب على رؤوس الاشهاد منذ ١٤٠٠ عام اي بعد امير المؤمنين عليه السلام… و قد قال حبينا الشهيد انه الفتح المبين و الرحمة الخاصة التي خصها بها سبحانه و تعالى هذا الجمع المؤمن بالمرجعية الناطقة كما اسماها هو مقابل المرجعية الكلاسيكية الساكتة التي لا تعرف غير صلاة الجماعة و الاستخارة و قبض الحقوق و توزيعها…

رحمك الله ابا مصطفى فقد كنت للمؤمنين ابا رحيما و على الظالمين نقمة و سيفا بتارا بما قمت به من قيادك للمجتمع ارعبت الكافرين و المنافقين و الطغاة و الجبابرة و المتمرجعين الحافدين و المتسافلين…
كنت لله كما اراد فاعطاك الله ما تريد…
اعطاك العلو و الرفعة و المحبة في قلوب المؤمنين و كنت سيدا للعارفين و كمالا للمتكاملين…
صار قبرك منارا للزائرين والمتشافين وصار ولدك المقتدى علما من اعلام الدين و القادة الذابين عن حياض العراق ضد المحتلين و شرفا لكل المجاهدين و نبراسا لكل الطالبين للشهادة في سبيل الدين و حماية مراقد المعصومين…
فسلام عليك حين ولدت و حين استشهدت و حين بعث حيا شاهدا على قومك يوم الدين…
و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و اله الطاهرين…
_________________________________
الشيخ احمد الحسيناوي
٢ ذو القعدة ١٤٤٢
النجف الاشرف…

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار