المحلية

حكام اوتوقراطيون

محمد عبد الجبار الشبوط:
الرجال الذين يمسكون بتلابيب المشهد السياسي حاليا لا يمكن ان يكونوا مؤسسين وبناة لدولة حضارية حديثة. لان الاساس الثاني لهذه الدولة، بعد المواطنة، هو الديمقراطية، ليس من ضمن معتقداتهم السياسية. هؤلاء الاشخاص حكام اوتوقراطيون صغار.
الاوتوقراطية Autocracy شكل من أشكال الحكم، تكون فيه السلطة السياسية بيد شخص واحد بالتعيين لا بالانتخاب. كلمة “أوتوقراطي” أصلها يوناني و تعني (الحاكم الفرد، أو من يحكم بنفسه).
ووصفت هولاء الرجال بانهم “صغار” لان حجمهم ليس بحجم الوطن او الشعب انما بجزء من حجم المكون العرقي او الطائفي الذي ينتمون اليه. فهم مصنفون عرقيا او مذهبيا. وهم مع ذلك لا يمثلون كل العرق او المذهب الدي ينتمون اليه، لان مصالحهم الفئوية وطموحاتهم الشخصية فرقتهم “طرائق قددا”، كما في التعبير القراني.
لا استطيع ان اسميهم باسمائهم، لان الناس يعرفونهم، كما انني اخشى عواقب التسمية الصريحة. لكني اكتفي ان اقول انهم “حكام” في مساحة تغطي جزءً من المساحة التي يحتلها المكون من جغرافية البلد السياسية. وهم تولوا الحكم اما بعوامل وراثية او “ديمقراطية” شكلية خلافا لقانون الاحزاب النافذ.
هؤلاء الرجال حكام. لكنهم لا يحكمون العراق، انما يحكمون اجزاء صغيرة منه، موزعة على اساس طائفي او عرقي او حتى حزبي. ولانهم يدركون هذه الحقيقة، وهي حقيقة مؤلمة، فقد ارتضوا بان يتقاسموا السلطة، رغم انهم يعارضون في العلن تقسيم الدولة. وهذا هو الذي كرس صيغة المحاصصة الفئوية لبناء السلطة منذ سقوط النظام الدكتاتوري حتى الان. واذا كان النظام السابق دكتاتوريا، فهؤلاء الرجال ليسوا البديل الديمقراطي له، انما هم البديل الاوتوقراطي للنظام الدكتاتوري. ولهذا لا يرد اسم العراق ضمن مجموعة الدول الديمقراطية في مؤشر الديمقراطية الذي تصدره “ايكونوميست” البريطانية سنويا. فالنظام السياسي الحالي في العراق ليس نظاما ديمقراطيا، رغم انه يحتوى على بعض مظاهر الديمقراطية كالانتخابات، الا انها انتخابات شكلية، مزيفة، لا تؤثر على بناء السلطة وتقاسمها بينهم.
ولهذا، فان دعوتنا الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة لا تعلق امالا على هؤلاء الرجال، لانهم غير قادرين على المساهمة الايجابية في هذا المشروع الحيوي. انما الامل معقود، بل مرتبط عضويا، بطرفين هما: الاقلية المبدعة، والمواطنين الفعالين.
اما الاقلية المبدعة فهي مجموعة الاشخاص، من الرجال والنساء، الذين يدركون معنى الدولة الحضارية الحديثة والمفاهيم المرتبطة بها.وهم الذين تقع عليهم مسؤولية توعية الناس على فساد الواقع المعاش من جهة، وعلى بديله الافضل المتمثل بالدولة الحضارية الحديثة، من جهة ثانية. وبسبب تشتت هذه الاقلية المبدعة وعدم توحيد صفوفها وجهودها فان تأثيرها مازال غير ملموس. لكني آمل ان لا يكون يوم تجاوز نقاط الضعف هذه بعيدا.
واما المواطنون الفعالون فهم الذين حازوا على درجة عالية من الوعي السياسي الذي يمكنهم من ادراك عيوب النظام السياسي الحالي، ويدفعهم الى الانخراط في عمل منظم ومدروس من اجل تغييره بالطريقة السلمية والحضارية.
ويبدو لي ان شريحة المواطنين الفعالين ليست صغيرة في المجتمع العراقي، وقد اثبتت حضورها في الايام الاولى لتظاهرات تشرين قبل ان يتم اختراقها والمتاجرة بها وركوب موجتها. ومع ان هذه الشريحة الواعية لاتبدو الان منخرطة في العمل السياسي الجماهيري، ربما بسبب الاحباط الذي اصيبت به جراء ما حصل للتظاهرات، الا انها سوف تبقى جاهزة للتحرك والتأثير كلما شعرت ان الوقت مناسب وان الضرورة تقتضي ذلك.
وبالتعاضد والتعاون والتنسيق بين الاقلية الواعية والمواطنين الفعالين يمكن ان يكون التغيير السياسي المنشود ممكنا. ويمكن لهاتين الشريحتين ان تضعا الاسس المتينة للدولة الحضارية الحديثة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار