الاقتصادية

القيود الأميركية على الاستثمار في الصين تهدد جهود تهدئة التوتر

تواجه الجهود المبذولة لتخفيف حدة التوترات بين الولايات المتحدة والصين، عبر سلسلة من الزيارات الدبلوماسية، خطر “الانحسار”، بينما تمضي إدراة الرئيس جو بايدن قدماً في خططها لفرض “قيود جديدة” على الاستثمارات الأميركية في الشركات الصينية التي تعمل في مجال الحوسبة الكمية والذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.  
  
 
وأفادت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، بأن القيود الوشيكة التي تبحث إدارة بايدن فرضها على الاستثمارات الأميركية في قطاعات التكنولوجيا الفائقة في الصين، كانت “موضوعاً رئيسياً” مطروحاً على طاولة النقاش بين وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وكبار المسؤولين الصينيين، خلال رحلتها التي استمرت 4 أيام، واختتمتها الأحد الماضي.
 
وسعت وزيرة الخزانة الأميركية إلى تضييق نطاق القيود التي تستهدف شركات الأسهم الخاصة، وشركات الاستثمار في قطاعات قليلة، لكنها استراتيجية.
 
وحاولت يلين تخفيف حدة المخاوف الصينية، والتي تعتبر أن هذه التدابير ترقى إلى مستوى “الحظر التكنولوجي” الذي يهدف إلى الإضرار بالاقتصاد الصيني، ولكن من المرتقب أن تثير هذه الإجراءات غضب الصين، باعتبار أن ذلك “أول اختبار لقنوات الاتصال التي يحاول أكبر اقتصادين في العالم استعادتها”، وفق “نيويورك تايمز”.
 
ورجحت الصحيفة أن تكون وزارة الخزانة الأميركية هي “الوكالة الحكومية المسؤولة عن تنفيذ القيود الجديدة”، فيما حذرت يلين من أنه في حال تم صياغة هذه القيود على نحو غير محكم، فإنها قد “تقوّض” مناخ الاستثمار المفتوح تقليدياً في الولايات المتحدة.
 
والأحد، قالت يلين عبر برنامج “Face the Nation” على قناة “CBS”: “أوضحت أن الرئيس بايدن يدرس الضوابط المحتملة على الاستثمار الخارجي في بعض مجالات التكنولوجيا الفائقة المحدودة للغاية، وفي حال مضينا قدماً، فإن نطاق استهدافها سيكون محدوداً للغاية. لا يجب أن تؤثر تلك الضوابط على مناخ الاستثمار بين البلدين”. 
 
وفي السياق، قال مارك سوبيل، المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية، والذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارة منتدى المؤسسات المالية والنقدية من الجانب الأميركي، لـ”نيويورك تايمز”: “سيكون لديهم مخاوف بشأن سياساتنا الاستثمارية تجاه الصين”، مشيراً إلى أن “الصينيين لديهم مشاكلهم معنا، وكلا الطرفين لديه فهم واضح بأن هناك توتراً في العلاقات”.  
 
وأشارت الصحيفة إلى أن “القيود الجديدة على الاستثمار” من قبل الولايات المتحدة، يمكن أن تفاقم التدابير الانتقامية التي يستخدمها البلدان، في وقت يحاولان فيه وضع أساس لعلاقاتهما. 
 
وبحسب الصحيفة، يبدو أنه تم الاستقرار على التدابير الجديدة إلى حد كبير من قبل إدارة بايدن منذ أشهر عدة، ولكن الإعلان عنها تأجل بسبب “توتر العلاقات” مع الصين. 
 
كما تخضع بعض التفاصيل للنقاش من قبل الوكالات الحكومية الأميركية، وأشارت الصحيفة إلى أنه “بمجرد اقتراح القيود، سيكون لدى القطاع الخاص الوقت للتعليق عليها، ما يمكن أن يؤثر في كيفية تفعيلها”. 
 
وحتى في حال قررت إدارة الرئيس الأميركي تأجيل الإعلان عن هذه التدابير، فإنها ستواجه ضغوطاً متزايدة من قبل المشرعين الذين يدرسون قيودهم الأوسع نطاقاً على الاستثمارات الأميركية في الصين.
 
تدفق أموال أميركية إلى الصين
في الإطار، اشتكى مشرعون أميركيون وغيرهم من مؤيدي هذه التدابير، من أن النظام الحالي يسمح لرأس المال الأميركي بالتدفق إلى الصين وتمويل تكنولوجيا يمكن أن تشكل في نهاية المطاف “تهديداً للأمن الوطني الأميركي”. 
 
ورغم أن الولايات المتحدة تحظر بالفعل بيع الشركات الأميركية بعض تكنولوجياتها المتقدمة بشكل مباشر إلى الصين، وتفرض رقابة على الاستثمارات التي تقوم بها الشركات الصينية داخل الولايات المتحدة، تحسباً لأي مخاطر أمنية محتملة، إلا أن الحكومة الأميركية لا تمتلك “رؤية ثاقبة ولا سيطرة كاملة” على الأموال التي تتدفق من الولايات المتحدة إلى الصين. 
 
وأنفق أعضاء إدارة بايدن جزءاً كبيراً من وقتهم العام الماضي، لبحث كيفية فرض قيود على الاستثمار على نطاق واسع، وتواصل المسؤولون مع الرؤساء التنفيذيين للشركات للاستماع إلى آرائهم بشأن التأثير المحتمل لهذه الخطوة. 
 
وإثر ذلك، ضغطت المجموعات الصناعية وأصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية بقوة ضد فرض حظر موسع على الاستثمار في الصين، بحجة أنه سيضر بالعلاقات التجارية المهمة بين البلدين، كما سيشكل في نهاية المطاف ضرراً على الاقتصاد الأميركي. 
 
واعتبرت “نيويورك تايمز” أن إدارة بايدن استقرت على إجراء مصمم بعناية فائقة، سيطالب الشركات بإفادة الحكومة بمزيد من المعلومات حول الاستثمارات التي تخطط الشركات للقيام بها في الصين، مع حظر الاستثمارات في عدد قليل من المجالات الحساسة المتعلقة بالتطبيقات العسكرية أو برامج المراقبة.
 
وفي جلسة الاستماع التي عُقدت في مايو الماضي، أمام اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ الأميركي، قال بول روزين، مساعد وزيرة الخزانة لأمن الاستثمار، إن الإدارة “تعمل لصياغة برنامج مُركز لحظر الاستثمار في بعض التكنولوجيات الحساسة التي تؤثر على الأمن القومي”. 
 
لكن المؤيدين والمنتقدين يقرون جميعاً بأن الأهمية القصوى لهذا الإجراء، تكمن في ما يمكن أن يعنيه لوضع القواعد والتشريعات مستقبلاً. 
 
وأشاروا إلى أن القواعد الجديدة “لن تؤثر بشكل كبير على الاستثمارات في تطوير التكنولوجيا الصينية”، مرجعين ذلك إلى أن بكين “لا تعاني من نقص في تمويل الاستثمار”.
 
تراجع الاستثمار الأميركي 
بدوره، قال نيكولاس لاردي، من معهد “بيترسون للاقتصادات الدولية”، إن الولايات المتحدة “شكلت مصدراً لأقل من 5% من الاستثمارات المباشرة في الصين بين عامي 2021 و2022”.
 
وأضاف أنه “في الربع الأول من العام الجاري، تراجعت استثمارات رأس المال الأميركي وشركات الأسهم الخاصة في الصين بقوة إلى 400 مليون دولار تقريباً، مقارنة بـ35 مليار دولار في عام 2021”.
 
ورغم ذلك، بلغ إجمالي الاستثمار المحلي في الصين في الربع الأول من العام الجاري 1.5 تريليون دولار.
 
كما تثبت القواعد الجديدة أهميتها بوضع سابقة لتقييد استثمار القطاع الخاص في الصين، حيث يمكن استخدامها كأداة يلجأ إليها المسؤولون الأميركيون في أوقات توتر العلاقات مع بكين.
 
وناقش المسؤولون الأميركيون في اجتماعات “مجموعة السبع” التي عُقدت في مايو الماضي، إمكانية مواءمة هذه السياسات مع الحلفاء المقربين، وأشار تقرير نُشر هذا العام من قبل مركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية” إلى أن كلاً من كوريا الجنوبية وتايوان، لديهما حزمتها الخاصة من القيود على الاستثمار. 
 
وتضع القواعد التايوانية لوائح تنظيمية محددة على الاستثمارت الخارجية في الصين بناءً على نوع التكنولوجيا، وتتضمن محظورات على قطاعات التكنولوجيا الفائقة.
 
من جانبها، قامت الصين بتفعيل قيودها الخاصة على الاستثمارات الخارجية في عام 2016، إذ وجهت الشركات والأسر بعيداً عن المضاربة على العقارات الأميركية وأندية كرة القدم، ودفعت بهم باتجاه شراء شركات أجنبية في مجال إنتاج الطائرات والصناعات الثقيلة والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والقطاعات الاستراتيجية الأخرى.
 
 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار