مقالات

بعدَ ثالث سيگارة

..حسن النصار ..
دخنتها توالياً ، سألة جدي، أليست السگائر قاتِلة ؟ بلا بُني. لِماذا تُدخِنها إذن ؟ لِأنني يا بُني ومنذُ سنوات طويلة ، تجولُ في أعماقي اسئِلة لا إجاباتَ لها .. بحثتُ طويلاً دونَ جدوى. لِذلِكَ اُحرِقُ شيئاً ما بِداخلي ، اسئِلتي رُبما .. والتدخين يُساعِدُني على ذلِك !
لو كُنتَ كبيراً كفايَة ، لحدثتُكَ عن حبيبَة عشقتها في شبابي ، لَم يكتبها القدرُ لي ، فَ اكتفيتُ بِ الابتعاد ، والتأمُل من بعيد. لَم أحزَن حينَ تزوجت بِرجُل أفضل مني بكثير ، لا بل على العكس ، تمنيتُ لها السعَادة. ولكِنَ اُمنيتي لم تتحقق للأسف ، فَ بعدَ سنوات طويلَة ، أغتالَ الإرهابُ أباها وإخوانها. علِمتُ بذلك صُدفة ، فَ جاءت تعازيي لها مُتأخِرة. فهَل أكتفى القَدَر ؟ لا . والدليل موت ابنُها الوحيد الشاب وزوجُها لاحِقاً في انفجار. وماتَت معهُم الكَلِمةَ ، وخانني التعبير كما غادرني الاحساس.
لِماذا ، يا صغيري ، هوَ سؤالي !
فَ أنا ولِسوء حظي ، عاصرتُ جميعَ حروب العبث ، وأشتركتُ فيها.
أوتعلم ؟ ماتَ أصدِقائي تباعاً ، وشيعتهم الى مثواهُم بيدي. جميعهم كانوا أبرياء وأنقياء. قتلتهم الميليشيات والتنظيمات ، كُلٌ على هويته ، أو هوى القاتِل المُقدس.
نسيتُ أن اُخبِركَ أيضاً ، انني شهِدتُ تفجيرات ، أحالَت الناس إلى أشلاء ، والمَباني إلى رَماد .. رأيتُ بِ اُمِ عيني كيف يموتُ الإنسان مُبتسِماً ، أليسَ غريباً أن يموتَ أحدُهم ضاحِكاً ؟
وكي لا أنسى أهمَ ذِكرى ، في مثلِ هذا اليوم ، تحطمَ بلدي ، وتشردَ أهلي وشعبي ، وتفرقوا إلى شيع ، وأحزاب ، وطوائف ، ومذاهِبَ ، وقوميات.
سألتُ الله عن ما حدثَ ويحدُث ، ولم يُجِبنِ ، فَ أدركتُ أنَ لا دخلَ لهُ بالموضوع ، أو انهُ لا يكترِثُ لسؤالي رُبما
أشعلتُ سيگارتي الرابِعة وأنا أبتسِمُ لصغيري
هُناكَ الكثير مما اُحرِقُه !

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار