مقالات

القيم العليا لمجتمع صالح (٥)

محمد عبد الجبار الشبوط..
زيارة الاربعين
ميزت في الحلقة السابقة من هذه السلسلة بين نوعين من القيم هما “القيم السائدة” و “القيم القائدة”. وقد اضاف بعض الاصدقاء نوعين اخرين هما “القيم الخالدة” و “القيم البائدة”. وتشي هذه العناوين بمعانيها مما لا حاجة معه الى الشرح والبيان. وقد نظرت الى زيارة الاربعين، بغض النظر عن الجدل حول مشروعيتها الدينية، فوجدت انها تستبطن و تكشف عن نوعين من القيم في المجتمع العراقي هما القيم السائدة والقيم الخالدة. القيم السائدة هي الايمان بالامام الحسين بوصفه ثائرا على نمط معين من الحكم اريد له ان يسود في المجتمع الاسلامي. والمؤسف انه ساد بعد الثورة، وما زال سائدا الى اليوم في بعض المجتمعات الاسلامية ومنها المجتمع العراقي. فالامام الحسين ثار على تولي الحكم من قبل مَنْ ليس مؤهلا له، وضمنا ثار على التوريث في الحكم. وما زالت بعض المجتمعات الاسلامية، ومنها المجتمع العراقي تقبل هذين الامرين. ولهذا تولى الحكم في العراق من ليس مؤهلا للحكم، وتولى الزعامة اشخاص بالوراثة. ما يعني ان هناك تزاحما بين القيم السائدة والقيم القائدة في موضوع الامام الحسين. وبسبب التشوش في الفهم السائد لموضوع القيم في المجتمع العراقي فان هذا التزاحم يميل الى القيم السائدة ويضعف دور القيم القائدة. تتمثل القيم القائدة هنا بضرورة توفر الشروط المناسبة فيمن يتولى الحكم والزعامة، و رفض التوريث فيهما. ولم تتحول هاتان القيمتان الى قيم سائدة في وجدان المجتمع العراقي رغم التفاعل الكبير لهذا المجتمع مع ذكرى الثورة الحسينية.
في هذه المسألة، رغم تعقيدها، خيط ايجابي يمكن الامساك به للانطلاق منه وبه الى مشروع النهضة في المجتمع العراقي.
قبل حوالي ٦٠ عاما تحدث المفكر الاسلامي الكبير الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر عن مشروع النهضة في المجتمع العراقي، وقال ان هذا المشروع بحاجة الى “مركّب حضاري”. وهو المصطلح الذي تبنيتُه في بناء مفهوم الدولة الحضارية الحديثة.
ومما كتبه الصدر في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه الشهير “اقتصادنا” قوله:”ان حاجة التنمية الاقتصادية الى منهج اقتصادي ليست مجرد حاجة الى اطار من اطر التنظيم الاجتماعي تتبناه الدولة فحسب”….”بل لا يمكن للتنمية الاقتصادية والمعركة ضد التخلف ان تؤدي دورها المطلوب الا اذا اكتسبت اطارا يستطيع ان يدمج الامة ضمنه وقامت على اساس يتفاعل معها. فحركة الامة شرط اساسي لانجاح اي تنمية واي معركة شاملة صد التخلف”…”فحين نريد ان نختار منهجا او اطارا عاما للتنمية الاقتصادية داخل العالم الاسلامي يجب ان ناخذ هذه الحقيقة اساسا ونفتش في ضوئها عن مركب حضاري قادر على تحريك الامة وتعبئة كل قواها وطاقاتها للمعركة ضد التخلف ولابد ان ندخل في هذا الحساب مشاعر الامة ونفسيتها وتاريخها وتعقيداتها المختلفة” “لابد ان نلحظ بدقة الظروف الموضوعية للامة وتركيبها النفسي والتاريخي”.
وترجمة هذه الفقرات عمليا، بقدر تعلق الامر بزيارة الاربعين، تعني الاخذ بنظر الاعتبار القيم السائدة في المجتمع، اي القيم المحركة له، مثل القيم التي تمثلها ثورة الامام الحسين، وتوظيفها لاحداث حركة مجتمعية صوب القيم القائدة. وبعبارة اخرى جعل حب الامام الحسين والتعلق به دافعا ومحركا نحو اهداف النهضة الحضارية والمعركة ضد التخلف. وهذه مهمة يمكن ان تقوم بها النخبة الواعية في المجتمع التي تشخص في ان معا القيم السائدة التي يمكن توظيفها والقيم القائدة التي يراد التحرك نحوها وجعلها في النتيجة هي المحرّك للمجتمع، اي تحويل القيم القائدة الى قيم سائدة في المجتمع. وهذا ينطبق على كل القيم السائدة الايجابية في المجتمع العراقي.
يتبع

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار