الثقافيةالمحلية

النظرة التحليلية للحسد

النظرة التحليلية للحسد
—————————–
الكاتبة سرى العبيدي
سفيرة الجمال والطفولة والإبداع العالمي..

الحالة النفسية التي تجتاح الحسود حينما يرى النعمة على أخيه أو صديقه فلا يقر له قرار حتى تزول عنه نهائياً ؟!
وكيف تتشكل هذه الغيمة السوداء التي تغطي سماء القلب فتحجب عنه الرؤية فلا يرى سوى الخبث واللؤم ؟!
إن الحاسد هنا كما أنه ( عاطل) عن تلك النعمة ولايتمتع بها ، فإن نفسه تحدثه ( بتعطيل) مالدى الغير من نعمة أو مزية أو موهبة ، أن الحسد ينجم عن فقدان الحاسد لمزية أو أكثر من مزايا المحسود ، وهو عوضاً عن تحصيلها أو الاقتداء بها ، يعمل من أجل تحطيمها عند من يتصف بها ، ويشعر بالسرور والارتياح إذا نقضت أو زالت ، وكأنه يرى المحسود إنساناً مزاحماً أو منافساً يعترض طريقه ، فلا بد من إزاحته عن الطريق .
والمحسود انسان بريء لايعمل عادةً على إغاضة الحاسد أو استثارة مشاعره ، فلمجرد أن يفوقه في شيء ما رباني أو مكتسب ، تراه يقع ضحية حسده وربما شره المتمخض عن هذا الحسد ، ذلك أن الحسد إذا تفاقم واستشرى لايبقى في حدود الحالة النفسية التي تتميز غيظاً وتتمنى بخبث زوال النعمة التي يتمتع بها المحسود ، بل ينطلق الحاسد ليدمر محسوده ، ولعل هذا سر التعوذ القرآني من شر الحاسد الذي لايقف عند مجرد الخواطر النفسية ( قل أعوذ برب الفلق * من شر ماخلق * ومن شر غاسق اذا وقب * ومن شر النفاثات في العُقد * ومن شر حاسد إذا حسد ) .
فالحسد قد ينقلب إلى جريمة والحاسد إلى مجرم ، والمحسود في الغالب بريء لادخل له فيما تُحدث به نفس الحسود ، والا فما ذنب ( هابيل) إذا كان الله قد تقبل قربانه ولم يُتقبل قربان أخيه ، هل هو الذي طلب من الله ذلك ؟ هل كان يتمنى أن يُقبل قربانهُ ويُرفض قربان أخيه؟ هل استثار أو استفز أخاه بعدما رفض الله قربانه ، بأن عيره أو سخر منه أو انتقص من قدره ؟ .
لم يحصل من ذلك شيء فلماذا إذن أقدم قابيل على قتله ؟ .
للجواب على ذلك لابد من تتبع حالة الحسد ابتداءا من نشوئها كخاطر يجول في النفس ، فالحسد حالة شيطانية تسير ضمن خطوات متلاحقة ، وعلى النحو التالي :
خاطر الشعور بالحسد والانقباض لما يمتلكه الآخر ، تؤدي إلى حالة من الكره أو عدم الارتياح النفسي له ، تؤدي إلى الكذب والافتراء عليه واغتيابه والتقليل من شأنه والطعن بايجابياته ، تؤدي إلى الكيد والمكر والتآمر .
فالحسد قد يتحرك كحالة نفسية تدفع إلى تمني زوال النعمة ممن انعم الله عليه ونال حظاً أوفر من متع ومقامات الدنيا ، وقد لايريد الحاسد انتقالها إليه ، وهذه الحالة مرضية ينبغي على من يصاب بها أن لايتركها دون علاج والا تحول ( الحسد) إلى ( حقد ) أعمى .
من ذلك نخلص إلى أن للحسد حالتين : داخلية تعتمل في النفس فتكدر صفو الحسود وتؤرق ليله ولكنهُ يحبسها ولايتركها تندفع إلى الخارج .
وأخرى خارجية تطفح على السطح ، تعبر عن نفسها بمظاهر عديدة أشدها وأخطرها ليس تمني زوال نعمة الآخر بل زواله من الوجود ، كما فعل ( قابيل) وذلك لكي لا يشكل المحسود حالة تذكيرية أو استفزازية دائمة للحاسد .
وعلى ضوء هذه النظرة التحليلية للحسد ، يمكن القول إن الحسد يتناقض إلى أقصى حد مع الإيمان ، لانه إساءة ظن بالله وبعدالته وحكمته ، ثم أن المؤمن كما يفترض فيه لايبغي ولايستبطن الشر ولايريد السوء پإخوانه وأصدقائه وغيرهم ممن أنعم الله عليهم ، ولذلك اعتبر الحديث الشريف الحسد كشفرة الحلاقة الحادة التي لاتبقي شعرة واحدة على البشرة فاطلق اسم ( حالق الدٍين) !!.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار