مقالات

الموقف الحضاري من حكومة الكاظمي

محمد عبد الجبار الشبوط:
كانت استقالة حكومة عادل عبد المهدي اعلانا بوصول العملية السياسية التي انطلقت بعد سقوط النظام البعثي المتخلف الى نهاية الطريق. فلم تنجح هذه العملية بتقديم نموذج للدولة يحظى بقبول المحكومين ويقترب من نموذج الدولة الحضارية الحديثة بسبب عيوب التأسيس التي رافقتها منذ البداية. والسبب هو نفسه الذي ادى الى سقوط النظام الصدامي، اعني التخلف، الذي اعرّفه دائما بانه خلل حاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به. وكانت تظاهرات تشرين عام ٢٠١٩ العامل الذي عجل بالوصول الى خاتمة الطريق. ومثلت هذه التظاهرات، من ناحية، الاهداف العامة التي انطلقت منها حركة اصلاحية نالت مباركة المرجعية الدينية ممثلة بالامام السيستاني الذي كانت بياناته تطرح مشروعا لبناء الدولة على اسس حضارية حديثة. لكن تظاهرات تشرين لم تكن، من حيث الفاعلين الاجتماعيين، بنفس مستوى الرؤية الحضارية التي تضمن معالجة الخلل الحضاري وتجاوز عيوب التأسيس. ولهذا سرعان ما حصلت حالات اختراق واجهاض وركوب الموجة ادت الى انزلاق التظاهرات في غير المسار الذي ينطبق عليه مصطلح “الحركة الاصلاحية”، واستطاعت دول ذات نفوذ كبير ان تدفع بالتظاهرات صوب شعارات معينة ليست بعيدة عن الصراع الايراني- الاميركي في المنطقة. وفي لحظة ما اصبح مصير التظاهرات مرتبطا برؤية وستراتيجية هذه الدولة، واصبح “قادة” التظاهرات المخفيون، وليس الشهداء الذين سقطوا في ساحاتها، ادوات بالوكالة لهذه الدولة. وبمجرد انتهاء مسرحيتي تكليف محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي خلفا لعادل عبد المهدي حتى افصح المؤشر السياسي عن توجهه صوب شخصية مغمورة هو مصطفى الكاظمي، الذي سرعان ما عبد له الطريق نحو رئاسة الحكومة، واذا كان ذلك انتصارا لجهة ما، فانه نكسة للمشروع الاصلاحي الذي بشرت به الايام الاولى لتظاهرات الاول من تشرين. اقول نكسة لان اي بديل يأتي بعد فشل تاريخي يفترض ان يكون قادرا ومؤهلا لان يخطو بالبلد خطوة نوعية ملموسة الى الامام، والامام هو بناء الدولة على اسس حضارية حديثة. وكما انطبق هذا على الطبقة السياسية التي تولت زمام الامور بعد سقوط نظام صدام المتخلف لمدة ١٧ سنة، فان الامر ذاته ينطبق على حكومة الكاظمي، المعلنة والمخفية، حيث لا تمثل هذه الحكومة امكانيةً لحل المشكلة الاساسية التي يعاني منها العراق، وهي الخلل في المركب الحضاري للمجتمع العراقي ومنظومة القيم الحافة به. ويتضح ذلك من اجراءات الكاظمي حتى الان، وخطبه، وبرنامجه الحكومي، وورقته البيضاء. ان الرجل وحكومته بنوعيها لا يملك المؤهلات العلمية والمعرفية والقيادية لاخراج العراق من حالة التخلف الغارق فيها منذ اكثر من ١٠٠ سنة. وبالتالي، فان وصوله المريب الى قمة السلطة في العراق لا يمثل انجازا حضاريا الى امام، ولا يمثل خطوة صوب نموذج الدولة الحضارية الحديثة. بل انه في نفس المستوى الحضاري المنخفض الذي مثلته الطبقة السياسية الراهنة، بل هو في مستوى اكثر هبوطا. انه جزء من مشكلة التخلف الحضاري، ولا يمكن ان يكون جزءً من مشروع النهوض الحضاري الذي تبشر به الدولة الحضارية الحديثة.
ولهذا فان نموذج د ح ح لا يسعه القبول بحكومة الكاظمي، دون ان يعني ذلك سعي نموذج د ح ح الى اسقاط حكومة الكاظمي، لان الامر لا يستحق هذا الجهد، لان هذه الحكومة لا تملك مقومات البقاء، وبخاصة: شرعية التمثيل، وشرعية الانجاز. والى ان يحصل هذا، فان مشروع الدولة الحضارية الحديثة يتمسك بموقفه الرافض للكاظمي وحكومته، ويلتزم موقف المعارض له ولسياساته واجراءاته، ولا معنى لفكرة انتظار ما يمكن ان تقوم به هذه الحكومة بعد ان تأكد لنا انها خارج دائرة النهوض الحضاري الذي يتطلع اليه بلدنا للخروج من دائرة التخلف.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار