مقالات

بناء المواطن يعني بناء الوطن

بقلم جمال العراقي :

يقول الكاتب : البرازيلي “باولو كويلو”
في واحدة من روائعه الأدبية ،
“عندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم”، واردف يقول : فالأهم بناء الإنسان …
كنت خارجاً من البيت متجهاً الى السوق هممت بالصعود الى السيارة وعندها انتبهت الى عمال صيانة الكهرباء يتكلمون فيما بينهم ، قال احدهم : للآخرين
يجب ان نمد ( الكيبل ) بذلك الاتجاه ،
في حينها ضننت انهم يقومون بنقل التيار الكهرباء الى الطرف الآخر من الشارع ، اي الى زقاق آخر ، تبادر في ذهني وبسرعة انه سيتسبب لنا بانقطاع متكرر في التيار الكهربائي وذلك بسبب شدة الحمل على القاطع ، وهو الذي جمعت امواله من ابناء الزقاق لشرائه كون دائرة الصيانة في الكهرباء لا تملكه !!!! ،
سألت : عمال الصيانة بعد السلام والثناء عليهم وحتى تبجيلهم ،
هل اتصل عليكم احد لسبب عطل ما ؟
طبعاً سؤالي كان لفتح حوار معهم للتأكد من ما سمعته حول تحويل ( الكيبل) للجهة المقابلة ،
رد احدهم السلام والآخر لم يرد وكان اثنين منهم قد صعدوا عالياً بالرافعة الكهربائية بإتجاه نهاية عامود الكهرباء للعمل عليه ،
قال الذي لم يرد السلام : وبدى وجههُ متجهماً و عليه علامات عدم الرضا وذلك بسبب توقفي عندهم ،
“كلا اتينا للعب” ،
حاوت تجاهله او حتى النظر اليه ،
عاودت السؤال مرة اخرى ولكن هذه المرة عن ما سمعته حول تحويل (الكيبل) ، و توجهتُ بالسؤال الى موظف خدمة الصيانة الآخر تحاشياً للصدام معه ، لكنه لم يستطيع التفوه بكلمة واحدة ، وللسبب نفسه ، هجم الموظف بالكلام مرةً أُخرى ، قائلاً : نعم سنحول الكهرباء الى الجهة الأخرى ، وماذا تريد ،
مما أضطرني للرد عليه ،
قلت له : لماذا هذه العصبية انت رجل تعمل لخدمة المواطنين جراء اجر تتقاضاه من الحكومة ؟!!!
قال لي : اذهب من هنا ، تبسمت ضاحكاً ،
وقلت له : هذا زقاقي وانت فيه لواجب تم تكليفك به ،
جاء الموظف المهذب وقال لي : وبكل أدب باللغة العامية ( احسبها علي) ، معللاً جئنا لنبدل
احد (الكيبلات المعطوبة ) ليس الا ،
على ما يبدو أن المشكلة عميقة ومتجذرة في المجتمع ،
وما التعدي الذي حصل على المراهق “حامد سعيد” إلا صورة من صور اخرى كثيرة لم يتم تسليط الضوء عليها من قبل الأعلام لسبب ما …
وهي على ما يبدو لم تكن محض صدفة او عمل عبثي يبدو انها مشكلة عميقة وخطيرة جداً متجذرة في اغلب الموظفين او العاملين في دوائر الوزارات كافة ،
قد يكون للحصار الاقتصادي المفروض على العراق أبان دخول “النظام البائد” الى الكويت دوراً كبير فيما يحصل اليوم ، حيث كان الموظف والعسكري يتقاضى من خمسة الى عشر دولارات راتباً شهرياً ، مما اظطر الكثير منهم للعمل ساعات طويلة
بعد الدوام الرسمي كي يعيل عائلتهُ ، وذهب البعض الى الكسب الغير مشروع اما بأخذ الرشى او حتى السرقة ، طبعاً كل ذلك كان بعلم “النظام” والأدهى كان الرئيس يقول بالعامية :
( الي يشرب اللبن لا يبلل شاربوا ) في اشارة واضحة الى من يسرقون بعدم ترك اثر من ورائهم ،
كل تلك الظروف القت بظلالها على المجتمع العراقي وصنعت جيلاً كاملاً من “الفاسدين” طبعاً ذلك لا ينفي وجود “الأخيار” ، ولا ننسى البعض الآخر من الفاسدين اللذين جائوا عبر الحدود بعد سقوط “الصنم” ، يبدو ان سبعة عشر عاماً والزيادة في دخل المواطن ،
لم تكن كفيلةً ببناء الأنسان الذي تعرض لهدم مستمر وعلى مدى اكثر من ثلاثين سنة ، والسبب هو عدم التفات الحكومات المتعاقبة على تلك المسألة الخطيرة ،
لا يستطيع احد من ان يحمل المسؤلية كاملةً على الدولة او الوزارات المعنية ، قد تتحمل جزئية الرقابة والمحاسبة على الموظفين وهي ضعيفة فعلياً لأسباب كثيرة …
منها ان بعض من الموظفين ينتمون الى احزاب تعمل داخل الحكومة قد توفر لهم حماية جيدة و تبعد عنهم المسائلة في اغلب الأحيان ،
المشكلة كبيرة جداً حسب رأي الخاص وهي ومع شديد الأسف “ازمة اخلاق” متفاقمة في اغلب شرائح المجتمع ،
ولحجم المشكلة يجب ايجاد حلول عميقة تبدأ من الأسرة ، وبدعم من الدولة والمنظمات المختصة في مجال التنمية البشرية لخلق جيل يعتبر خدمة المواطن والوطن عبادة ،
ولكبح التعالي لدى بعض الموظفين واحساسهم بأن الراتب الذي يتقاضوه هو حقهم من “اموال النفط” ،
حيث يتجاهر الكثير منهم بالقول :
( راتبنا من فلوس نفطنا و لا خلفة الله على احد ) ،
ومنهم من يمن على المواطنين في حال انه قدم له خدمة ما وأن كانت من ضمن الواجب الوظيفي ،
طبعاً لا احد ينكر ان هناك موظفين ورجال أمن محترمين يعملون بجهد وإخلاص لخدمة المواطنين والسهر على راحتهم …
وذلك انما يدل على تربيتهم الصحيحة من قبل الأهل بزرع القيم والأخلاق الحميدة فيهم ،
عموماً ما حدث من إجراءات وملاحقة للذين اساؤو بحق المواطن “حامد سعيد” ومحاسبتهم ، كان دليل وعي من قبل الحكومة ، ويحسب لها ايضاً سرعة الاستجابة والتحرك ضد العناصر المسيئة ،
وارجوا من الحكومة التشديد في وضع رقابة صارمة على جميع الموظفين العاملين في القطاعين العام و الخاص وبالأخص اللذين على تماس دائم مع المواطنين ، وادخالهم بدورات توعوية وتثقيفية في مجال التعامل الإنساني ،
وذلك للحد من الأخطاء الفردية والتي تحسب في النهاية من وجهة نظر ابناء الشعب على الحكومة ، مما يثير سخطهم وامتعاضهم الشديدين تجاهها .

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار