مقالات

رجل الدولة واستكان الشاي

سالم الشيخ زاجي

نسمع بين الحين والآخر إطلاق وصف “رجل دولة” على بعض الشخصيات السياسية، وحينما ندقق صفات الموصوف نجد أنَّ كلَّ إيجابياته تتمثل في كونه شخصًا يتعامل بلطف وتواضع مع أصدقائه، أو يوقع بسلاسة على بعض الطلبات، أو أنَّه استجاب لتعيين شخص، أو نقل آخرَ من موقع إلى ثانٍ، وفي بعض الأحيان يكون قد علَّق بـ “سمايل” في إحدى الكروبات، أو ربَّما دعا أحدهم واستقبله بـ”الدشداشة”، هذه العلاقات ومثيلاتها تدفع بعض المدوِّنين إلى إطلاق صفة “رجل الدولة” على أولئك السياسيين بشكل متعثِّر ومعيب ومقرف، ولا سيَّما أنَّ سيرته الذاتية واضحة، ويعدُّ هذا الأمر صورة من صور التبويق السياسي والتملُّق.

الفرق العلمي بين رجل الدولة ورجل السياسة هو أن يكون الأول ذلك الشخص الذي يحقِّق إنجازات إيجابية آنية ومستقبلية للبلد على مستوى بعيد النظر، ويقدِّم المصلحة العامة على المصالح الحزبية أو الشخصية، وهو أيضًا من يضع لمساته على أسطر التأريخ، ومن يترك عمله يتحدَّث. أمَّا السياسي السلبي؛ فهو من يعمل لأغراض خاصَّة، سواء له أو لحزبه أو ما يخصُّ ملف اللجان الاقتصادية التي تتعكز بشكل مباشر على الصفقات المشبوهة والفساد، على حساب الوطن، ويكون نظره قصيرًا لا يتجاوز حدود الانتخابات المقبلة.

يتواصل السياسي مع بعض المدونين والصحفيين والمحللين أو مع مسؤولين حكوميين أو سياسيين، ويشرب معهم الشاي، ويرسل إليهم “جمعة مباركة”، وقد يتواصل من خلال مكتبه الإعلامي في مواقع التواصل الاجتماعي، الذي ينشر نشاطاته – وهي تعدُّ واجبة عليه بحقِّ المواطنين وليس فضلًا منه – المتعددة، وآنذاك نقرأ في بعض التعليقات أن يوصف “س” برجل الدولة، سواء كان الوصف بشكل عفوي أم مدفوع الثمن، متناسيا “صديق الحجي”، وهذا يعني مدح الفاشل والفاسد وتضليل الرأي العام، وهو بمثابة الشراكة معه، وإن كان عن بعد، من خلال تجميل صورته بمواقع السوشيال ميديا.

على رجل الدولة الحقيقي ألَّا يكون سفسطائيا ولا مقلدا ولا مخادعا ولا سارقا، وله عدة مواصفات، إذ يعدُّ التبصر من صفاته؛ لأنَّه يجب أن يكون قادرًا على تشخيص المشاكل في الأفق ومعالجتها، ويكون أيضًا رجل النزاهة والشجاعة والصراحة الذي يحمل في قلبه حبَّ الوطن، وفي عقله خطط تأمين مستقبل الأجيال القادمة، وهو الذي يستند في عمله إلى مبادئ الحرية والديمقراطية وحرية التعبير، وأن لا يحول من ينتقده إلى عدو، إنَّ رجل الدولة هو السياسي الذي يضع نفسه في خدمة الوطن والمواطن، بينما السياسي هو من يضع الوطن لخدمته السياسة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار