مقالات

نواعير الفرات

هادي جلو مرعي
لاتنفصل جغرافيا الفرات النهر الممتد من تركيا الى الخليج عبر سوريا والعراق عن النواعير التي تشتهر بها ضفاف هذا النهر الخالد حيث ترفع الماء من النهر الى مساحات من الزروع والبساتين والأنهار الصغيرة، وتوفر للقاطنين على النهر مياه الشرب.
كنت اسمع لأحدهم يقول: إن فلانا ينعر نعرا، ولم أكن أفهم ماإذا كان الفعل من أبناء اللغة العربية، أم هو إستخدام ساذج؟ لكنني حين نظرت في النواعير، والدور الذي تقوم به وجدت أن النعر هو الصوت الذي يحدثه الشخص حين يتكلم بإستمرار، وبقوة دون أن يلتفت الى الآخرين، وسمي الناعور ناعورا لأنه يحدث صوتا عندما يرفع الماء الى الأعلى، ثم يلقي به في مكان منخفض يجري منه الى حيث ينتفع منه الناس.
تشتهر النواعير، ويجري الحديث عنها كما يجري الماء منها، ففي حماة السورية هناك الكثير مما قيل عن نواعير الفرات، وأثرها في الثقافة والإقتصاد، وقد كتبت عنها مقالات ودراسات، بينما تشتهر معظم مدن أعالي الفرات عند دخوله الأراضي العراقية بالنواعير وفي (حديثة وعانة وراوة وهيت) التي تبدو في غاية الروعة والجمال والإبهار، وقد تشكلت مدن اعالي الفرات تاريخيا، وإرتبطت النواعير بصورتها التاريخية، ووجودها، وكان لها الأثر في حياة الناس هناك، وفي تفكيرهم ورؤيتهم للحياة وللجمال وللطبيعة.
مبادرة طيبة كانت لمحافظ البنك المركزي العراقي الأستاذ علي العلاق بإحياء تلك الشواهد والمعالم من خلال مشروع يرعاه لتطويرها، وإعادة تشكيلها لتستمر كأبرز معالم تلك المدن، ومن أبرز معالم نهر الفرات، وهي مبادرة ضمن سلسلة مبادرات في مجالات مختلفة مرتبطة بالمدن والمعالم الأثرية، وحاجات الناس العاديين، وساحات بغداد وبيوتها التراثية وشواهدها التاريخية وشوارعها وحدائقها، وهي مبادرات تكمن قيمتها في تنوعها، وإمتداداتها، وإستمرارها لتحفز الجميع لينظروا في التراث والجمال، ويحافظوا عليه من خلال إستخدام طرق علمية حديثة، والإستعانة بالخبراء ليضعوا لتلك المعالم مساحة من الإهتمام والرعاية والتأهيل.
بسبب مامر به العراق خلال مراحل من تاريخه الحديث تعرضت العديد من المعالم الأثرية والتراثية الى التخريب والإهمال والتضييع، وصار ضروريا أن يتم عمل شيء ما لأجل الحفاظ عليها، وكانت هذه المبادرة الطيبة من المبادرات التي تستحق الشكر والتقدير والعرفان.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار