مقالات

هل اصبحت الصحافة بيئة طاردة للصحفيين المغتربين !؟

بقلم✍️ عمر الناصر||

لايمكن ابراز الوجه الحقيقي لرُقي وعظمة اي دولة بالعالم الا باعطاء رسم بياني و صورة حقيقية نوعية وواقعية ذات ابعاد ثلاثية 3D لطبيعة واهمية اهتماماتها تجاه مواطنيها، وترجمة ذلك بخطوات عملية مدروسة واحترافية ذات استراتيجية صادقة وناجعة عن طريق دعم جالياتها المتواجدة في تلك الدول سواء كان ذلك دعماً معنوياً او سياسيا او اعلامياً ، واعتبارهم سفراء حقيقيين لاجل اعلاء شأن سمعة وهيبة اوطانهم الام في المحافل الدولية والاقليمية كما تفعل الدول المتقدمة والمتحضرة اليوم مع رعاياها في الخارج،ولن نقول دعماً مادياً على اعتبار ان اغلبهم لديهم اعمال ويتمتعون بالرفاهية الاقتصادية في دول المهجر .

بعض الحكومات تؤمن ايماناً قطعياً مطلقاً بالبيروقراطية المفرطة ولا يمكن لاي مواطن من مواطنيها الولوج بتفاصيل اي نشاط تجاري او سياسي او اقتصادي حكومي او اهلي مع اي دولة اخرى ان لم تكن لديه صفة رسمية او معنوية داخل اطار ذو عنوان واضح وصريح، يخلق على اثره امكانية حقيقية لفتح افاق وسبل مشتركة بين اي دولتين لتصبح التحركات تحت ضوء الشمس يتخللها اشعة المصداقية والشفافية العالية، بنفس الوقت ليكونوا رموز وطنية مغتربة وسفراء للثقافة والابداع والادب والفن والاعلام بل يكونوا دعامة اساسية ساندة ومرتكز حقيقي وحلقة وصل فعلية لتلاقح الثقافات والحضارات بين الشرق والغرب.

لم يكن للحكومات العراقية المتعاقبة دور في استقطاب وجذب العقول والطاقات المهاجرة من خلال دعم او تبني اي برامج او افكار من قبل الشخصيات العراقية المهاجرة التي مثلت العراق بأبهى صورة في دول اللجوء او الاغتراب، من اجل الارتقاء بسبل تطوير امكانياتها كما تفعل الدول التي تهتم بمواطنيها، وانما كانت جهودهم فردية بصورة شخصية اوصلتهم لمستويات عالية من الاهداف يفخر بها العراق على الصعيدين المحلي والدولي ابتداءاً من انجازات الراحلة العراقية البريطانية زها حديد ومروراً بالطبيب العراقي السويدي ازاد نجار مخترع القلب الاصطناعي والدكتورة الدنماركية من الاصول العراقية فاطمة الزهراء الاطرقچي التي ترجمت لغة الاحياء المجهرية والبكتيريا المختصة بعلم النانوتكنولوجي فأنقذت ملايين البشر من الاخطاء الطبية ، وانتهاءاً بدور بعض السياسيين الذين دخلوا الى عمق مصادر صنع القرار السياسي في العالم بشكل عام والبرلمانات الاوروبية بشكل خاص امثال الدكتور عمر الراوي في النمسا والسيدة عبير السهلاني في السويد واخرين.
اكثر ما يدفع المرء الى الهجرة وترك الاوطان هو عدم شعوره بوجود احساس حقيقي بقيمته الفعلية كأنسان داخل وطنه ، وشعوره بالفرق الشاسع عندما يقارن نفسه مع اقرانه من شعوب الدول القريبة منه او المجاورة له، بل ان الاهمال الواضح لامكانياته وطاقاته من قبل الحكومات قد يدفع المرء الى ان يصبح قنبلة فكرية متمردة وموقوتة قد تستغلها اصابع سياسية مأجورة لتحقيق غايات مريضة ، لكن ومع ذلك تجده ضمن كل امواج كل السلبيات وتنامي شعور الاحباط وخيبة الامل لديه من عدم وجود جهة حكومية رصينة راعية لافكاره ومشاريعه الوطنية، لتجد انه لا زالت لديه جينات الاحساس بالوطنية والمسؤولية التاريخية تعمل بحذر وصمت وبشكل جيد وفعال ، وهي من تدفعه لاعادة التفكير مجدداً بالمشاريع النهضوية والاستراتيجية التي يفكر بنقلها لبلده بعد اكتسابه خبرة جيدة في رحلة الكفاح والاغتراب الطويلة، ايماناً منه بضرورة اعلاء القيمة الحقيقية والاعتبارية لوطنه الام ولغرض مواكبة القيم والمبادئ السامية والمتحضرة وفق الامكانيات العلمية او الثقافية المتاحة على ارض الواقع، وعلى اعتبار ان اكثر ما يقتل الطموحات والابداع والايجابية داخل النفس البشرية هي السوداوية وتكسير مجاديف الهمم والسلبية و الاهمال المتعمد او تجاهل المسؤولين لشريحة الكفاءات والعقول المهاجرة وعدم احساسهم بقيمة الانسان الحقيقية وعدم اكتراث الكثيرين منهم من خلال وضع الشخص الغير المناسب في المكان غير المناسب .

من المؤلم جداً ان يصطدم المغترب القادم لوطنه “الاب” بواقع اجتماعي وثقافي مختلف كلياً عن البلد الذي قدم منه وانصهر داخله لفترة زمنية طويلة ،يعود ليرى بأن الواقع المأساوي الذي غادره في الماضي لم يتغير كثيراً وليجد نفسه بين امران احلاهما مُرْ ، واقع قد تغيّر لكنه اصبح مزري اسوء مما كان عليه في السابق، ليبدا هذه المرة رحلة اعادة اندماج جديدة في مواجهة مع ضياع شكل ولون الهوية داخل الثقوب السوداء للثقافات ولينفض الغبار المتواجد على اكتافه ويبدا مرحلة فعلية لشحذ الهمم من اجل ان يساهم بتغيير جزء من ذلك الوضع المؤلم.

ومن باب المقارنة فأنه وقبل فترة من الزمن سألني احد الاصدقاء الصحفيين عن ما اذا كانت لي الامكانية لفتح ابواب وافاق تعاون ثقافي مشترك بين العراق والسويد او الدول الاوروبية بشكل عام فما كان لي الا ان اوضح له واجيب عن الكثير من النقاط الجوهرية التي تتناسب مع مقاسات وخطوط الطول والعرض الموجودة على خارطة الحقيقة، على اعتبار أن تلك الدول لها معايير خاصة في التعاملات ضمن نطاق السياسة الخارجية، وبالعادة التنسيق المشترك ينبغي ان يخضع لمتطلبات الصفة الرسمية التي تمكن المخوّل من تسهيل مهمته بمرونة عالية، اي بمعنى اوضح ان العُرف المتبع في اغلب دول العالم يقول لايمكن التحدث بأي مشروع مع اي مؤسسة رسمية خاصة او حكومية ان لم تكن لدى الشخص المعني صفة رسمية او تمثيل عن الجهة التي قدم منها من باب الشفافية وتجنباً للفساد او الطرق الملتوية الغير قانونية .

وهنا اقترح علية احدهم بضرورة التواصل مع نقابة الصحفيين العراقيين لتقديم طلب الانتماء لها كي يتسنى لي الحصول على العضوية التي استطيع من خلالها التواصل مع مختلف المؤسسات الرسمية الثقافية والصحفية والاعلامية في مملكة السويد او دول الشمال الاوروبي، وشاءت الاقدار ان نلتقي بإحدى الشخصيات المهمة فيها لطرح هذا الموضوع وكان الرد قد نزل على رأسي كالصاعقة عندما قال ( يعني شلون حتى اللي عايش بالسويد راح نبدي ندفعله راتب ) !!!!!!!!!!!

اعتقد وعلى ما يبدو انه قد حان الوقت فعلياً لضبط ايقاع افواه واصوات الكثير من العاملين في المؤسسات الرسمية والحكومية واعادة النظر بتأهيل الكثير من القائمين على هذه المفاصل الحيوية والبدأ بتدريبهم اتكيت فن الاجابة واصول التعاملات الحضارية اللائقة مع المواطنين التي تتناسب مع معايير السلوك الحضاري المتقدمة ، وغرس ثقافة المقارنة بين المثقف الحقيقي الذي له مكانة اجتماعية في المحيط الذي ينتمي اليه وبين من فرضه الواقع على ان يكون صحفي او اعلامي او حتى مسؤول داخل اي دائرة رسمية تمثل الدولة ، ابتداءا من النقابات المهنية وانتهاءا بالوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية ، لكي يكونوا قادرين على التمييز بين الوان النطيحة والمتردية على اعتبار ان انتقاء نوعية العاملين هناك هو المعيار الاساسي في رفع او خفض منسوب ومستوى جودة السمعة المحلية ، على اعتبار اننا لا نستطيع ان نضع الجميع في خانة واحدة لان تصنيف الاشياء بالعادة تكون جزء لا يتجزء من الاحترافية والمهنية والموضوعية عند تقييم الاداء التي يتجاهلها الكثير ممن يعتبرها ليست ذات قيمة تستحق حتى وان توقف عندها، والبعض الاخر يجدها بمثابة فترة سماع موسيقى واستراحة وحق طبيعي للحلم لا ضير من سماعها لكونها بعيدة التطبيق حتى وان كانت من احلام اليقضة…!!

انتهى …

خارج النص/ الايمان بأهمية اجراء استبانة دورية واستطلاعات رأي نموذجية تعد جزء لا يتجزء من امكانية تقليص الفجوة بين النقابات والاعضاء….

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار