مقالات

قانون الانتخابات

محمد عبد الجبار الشبوط:
انطباعاتي ومعلوماتي واحساساتي كلها تقول ان هناك صراعا حادا بين الكتل السياسية حول قانون الانتخابات من جهة، وان هناك هدوءاً نسبيا ولا مبالاة بالموضوع على الجبهة الشعبية كما تبدو حتى الان في الساحات او مواقع التواصل الاجتماعي، من جهة اخرى.
المتحقق حتى الان ان مجلس النواب اقر في وقت سابق قانونا جديدا للانتخابات اعتمد طريقة الانتخاب الفردي بدل الانتخاب بالقائمة، لكنه تعثر في اعتماد مبدأ الدوائر المتعددة المساوية لعدد اعضاء مجلس النواب، اي ٣٢٩ نائبا. وبالتالي لم يتم نشر القانون في الجريدة الرسمية وبقي نائما في مكتب رئيس المجلس.
هناك خلاف حاد بين الكتل السياسية حول موضوع الدوائر الانتخابية. هناك من يدعو الى جعل العراق دائرة انتخابية واحدة، كما هو الحال في انتخابات عام ٢٠٠٦، وهناك من يدعو الى الدوائر المتوسطة، اي ان تكون الدوائر متوسطة ولكن باكثر من نائب، اضافة الى الدعوة الاساسية التي كتبت عنها كثيرا قبل انتخابات عام ٢٠١٨، اي الدوائر المساوية لعدد اعضاء المجلس.
نقاشات الكتل السياسية حول الموضوع تنطلق من اعتبارات احتمالات فوزها او خسارتها بازاء كل مقترح، وبالتالي فان الكتلة تختار الطريق الذي تراه محققا للفوز لها. ولم اجد في نقاشاتي معهم من ينطلق في تفكيره من حسابات متعلقة بالديمقراطية، بمعنى التفكير بالاسلوب المحقق للمضمون الديمقراطي للعملية الانتخابية.
اما على الصعيد الشعبي فقد وجدت الجمهور الناطق (ولا استطع ان اتحدث عن الجمهور الصامت) مشغولا بقضايا اخرى اكثر من اهتمامه بقضية الديمقراطية، ولعلي اقول ان هذه الجمهور غير معني بقضية الديمقراطية في العراق. وربما كان لهذا الاهمال واللامبالاة اسباب يحسن تحليلها في وقت اخر.
بالنسبة لي، وانا لا افكر لا بالترشيح ولا بتولي اي منصب، فاني انظر الى الامر من زاوية علاقته بالمسار التاريخي لاقامة الدولة الحضارية الحديثة، والديمقراطية من الركائز الاساسية لهذه الدولة، والانتخابات الحرة والعادلة والشفافة تمثل الوجه الاهم للديمقراطية.
وبناء على ذلك، وبعد دراسة الانظمة الانتخابية المختلفة المعمول بها في الدول الديمقراطية العريقة مثل بريطانيا، وبعد دراسة التجارب الانتخابية السابقة في للعراق، فقد توصلت الى ان الطريق الامثل المحقق للديمقراطية والموصل الى الدولة الحضارية الحديثة هو الانتخاب الفردي والدوائر المتعددة وذلك بالنظر الى الاعتبارات التالية:
الاعتبار الاول: ان جوهر الانتخابات يتمثل في توفير اوسع فرصة ممكنة لحرية الاختيار بالنسبة للمواطن الناخب. وقد تبين ان هذه الفرصة تضيق الى ادنى نطاق لها بالانتخاب عن طريق القائمة، وتتسع الى اقصى نطاق لها بالانتخاب الفردي الذي يوفر بدائل كثيرة.
الاعتبار الثاني: ان قصة الانتخابات تدور حول مسالة التمثيل بعد تعذر اقامة الديمقراطية المباشرة. وعليه فاننا نحتاج الى اصدق طريقة للتمثيل. وقد تبين ان الصفة التمثيلية للمواطن التاخب تتضاءل الى ادنى درجة لها مع اتساع الدائرة الانتخابية، وتكاد تنعدم مع الانتخاب بطريقة القائمة (الانتخاب بالجملة)، في حين ان الصفة التمثيلية تتسع كلما صغرت الدائرة الانتخابية، بالانتخاب الفردي.
الاعتبار الثالث: ان العبرة بالنيابة ان تكون هناك علاقة مباشرة بين النائب وبين ناخبيه. وقد اتضح ان العلاقة بين الطرفين تكاد تكون معدومة في الانتخاب بالقائمة، وكلما اتسعت الدائرة الانتخابية. والعكس يصح. فالعلاقة المباشرة بين النائب والناخب تكون في افضل حالاتها في الدائرة الصغيرة والانتخاب الفردي.
الاعتبار الرابع: الانتخابات مظهر صراعي في المجتمع، والمجتمعات التعددية، لكن الحضارية، تحرص على ان لا تكون الانتخابات سببا لتعميق الانقسام المجتمعي، بل ان تكون من وسائل تحقيق الاندماج المجتمعي. وقد ثبت ان الدائرة الواحدة او الدوائر الكبيرة والانتخاب بالقائمة تعمق الشروخ المجتمعية. وهذا الامر لا يصدق على الانتخاب الفردي في الدوائر الفردية.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار