مقالات

ذاكرة فلسطين

هادي جلو مرعي..
وأنا اقرأ في سيرة المؤرخ الراحل جميل عرفات الذي وافته المنية بعد تسعة عقود من الكدح في الحياة الدنيا، ومن خلال ماأنتجه عرفات، وماأبدع فيه، وماجاد به من عطاء وتأليف وتأريخ لوطن حي متجدد، يتأكد لي إن فلسطين أكبر من أن تطوى، وتتحول الى قضية في درج مترب، في مكتب هذا الرئيس الامريكي، أ و ذاك الرئيس الاوربي وهما يتغامزان ويتهامزان، ويحاولان التسويف والمماطلة لدعم وجود غير شرعي على ارض تتعرف الى ابنائها من بعيد وتفهمهم، وتلفظ من عداهم إلا من كان محبا للسلام، ساعيا في الخير، متأصلا في العطاء، متواصلا من أجل الإنسانية، لايبحث عن الثغرات ليمر منها، ولايجيش الجيوش لبناء المستوطنات، وإعتقال الرجال والنساء في ظروف سيئة، وتجويع الناس، والتضييق على العاملين المارين من خلال المعابر الى حيث الرغبة في العمل، وحفظ الكرامة.
جميل عرفات بيشماغه الجميل المطرز بالسواد، وهو يجلس متأملا يمثل روح فلسطين المتحدية، حتى لكأنك ترى فيه الرجل الذي لايعترف بالإحتلال، ولم يعش يأسا حاول المحتلون زرعه في النفوس، ونقشه على الحجر، وبثه في الهواء، ومزجه مع الماء، ونسجه مع الثياب، ليطوق الأجساد والأرواح، ويحرمها من قوتها وإرادتها المتجذرة، فأخذ ينتج ماينعش الذاكرة الوطنية التي تأبى أن تتحول الى ذاكرة سمك، فالسمكة حين تنجو من شبكة الصيد، ماتفتأ أن تنسى، وتعود ثانية، فتتحول الى ضحية نهائية، وهدية بيد الصياد، وهذا نتاج جهد وطني مخلص كان جميل عرفات واحدا من كثيرين عملوا على إبقاء جذوة الذاكرة متقدة لكي لاينسى الفلسطينيون حريتهم، ويستمروا في التطلع الى المستقبل كأي أمة حية، والفرق بينهم، وبين من يريد تكريس الإحتلال إنهم يمارسون حياتهم على أرضهم، بينما المحتل يريد التأسيس لحياة يصنعها بالموت والإستيطان والتهجير والإعتقال والحرمان من حق العودة الى الديار، والعيش بسلام.
عشرون كتابا، وحكايات ومعاناة، وتدريس لأجيال، وتخريج لدفعات من الشبان العارفين بفلسطين والباحثين عن الثقافة والمعرفة، وحب للوطن وللأرض لاينقطع شكلت علامات مميزة في طريق سلكه هذا الرجل الفلسطيني الذي قدم لشعبه صورة حية للمناضل الحقيقي، غير الهياب الذي لايتردد في آنتاج المعرفة ونشر ثقافة التسامح، وتأكيد الحق الفلسطيني في العودة والوجود والحرية الكاملة خاصة وإنه من عرب 1948 الذين يعيشون في ظل إحتلال فعلي يرفضون أن يتنازلوا له، وأن يتخلوا عن قضيتهم العادلة التي قدموا التضحيات من أجلها، ولايمكن أن يغيروا وجهتهم مطلقا.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار