مقالات

الإنتخابات المبكرة… استحقاقات وتحديات

بقلم النائب محمد شياع السوداني:

بعد الحراك الشعبي في تشرين الاول وسقف المطالب الذي بدأ خدمياً وانتهى بما يتعلق باصلاحات جوهرية سياسية وإقتصادية أصبح واضحاً أن القوى السياسية الموجودة الآن ؛ سواء في البرلمان كانت أم في الحكومة؛ غير قادرة على تحقيق هذا الاصلاح المنشود والقضية أكبر من أن تكون في إستقالة حكومة ومجيء أخرى لذلك كانت خطبة المرجعية واضحة بحصر المطالب بإعداد قانون جديد للانتخابات وتشكيل مفوضية جديدة والتهيئة لإنتخابات مبكرة ، وهي بهذا عكست رؤية الشعب العراقي الذي فقد الثقة بالقوى السياسية وجديتها في إحداث الاصلاح الحقيقي ناهيك عن حقيقة راسخة وهي أن أغلب المتظاهرين هم ممن لم يشارك في انتخابات البرلمان في (2018) وأن ماموجود من قوى سياسية في البرلمان لم تكن لتحصل على مقاعدها فيما لوكانت المشاركة فاعلة في انتخابات (2018) ولولا عزوف مانسبته 80% من الشعب عن المشاركة في الانتخابات.
لذلك كانت رؤية الحراك الشعبي هي أن ماموجود في البرلمان لا يعدُّ تمثيلا حقيقيا عن أبناء الشعب؛ وقد أصبحت هناك قناعة لدى اغلب القوى السياسية بأن الامور قد وصلت الى طريق مسدود وان مامطلوب إنجازه من أصلاح بات صعباً لاسيما وأن الحديث اصبح بإتجاه تعديلات دستورية وهذه التعديلات تحتاج الى طبقة سياسية ممثلة تمثيلاً حقيقياً ودقيقاً عن الشعب كي تحدد خياراته بشأن التعديلات الدستورية والتي هي في جزء منها جوهريٌّ.

من ناحية أخرى ومع مستجدات الاوضاع كانت هناك مواقف تتطلب قرارات مصيرية من مثل قرار إخراج القوات الاجنبية وطبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية الذي يجب ان يكون قرارا يحظى بقبول الأطراف العراقية كافة مايؤكد اهمية وجود برلمان جديد وحكومة جديدة يأخذان على عاتقهما هذه الاستحقاقات
من الناحية الدستورية وقد أوضحت المادة( 64) طريقة حل البرلمان ومن ثم اجراء إنتخابات خلال ستين يوما مع أن البرلمان تمكن من إنجاز قانون الانتخابات وقانون المفوضية بغض النظر عن الملاحظات التي رافقت هذين القانونين.

يزاد على ماتقدم مسلسل اختيار المكلَّف وتشكيل حكومة جديدة إذ كان التعهد بإجراء أو تحديد موعد للانتخابات المبكرة مطلبا اساسيا للقوى السياسية وشرطا في مسألة قبولها المكلَّف من عدمه لذلك كان كلٌّ من المنهجين الحكوميين للمكلَّفينِ السيد علاوي والسيد الزرفي قد تضمن تحديد موعد سنة لاجراء الانتخابات من تأريخ التصويت على الحكومة وكانت الأمور الاجرائية تتجه نحو إقامة انتخابات مبكرة بعد قيام البرلمان بحل نفسه وفقا للمادة الدستورية ( 64) وهذا ايضا لابد له من توافق سياسي فلا احد يستطيع ان يجبر البرلمان على حل نفسه الا اذا اتفقت القوى السياسية على ذلك والذهاب الى انتخابات مبكرة.

ولكي تُجرى إنتخابات مبكرة امامنا مشاكل قانونية وفنية واجرائية مهمة سوف تكون عاملاً يحول دون اقامة هذه الانتخابات التي ينتظرها ابناء الشعب كلهم من حراك شعبي شبابي أو شعب بأكمله.

وهذه المشاكل هي محددات مهمة تقع في أغلبها على عاتق القوى السياسية الموجودة في مجلس النواب والحكومة الجديدة ونستطيع عرضها على وفق الآتي :_

أولا : منها مايتعلق بقانون الانتخابات الذي صوَّتَ عليه مجلس النواب بمجمل مواده بإستثناء الجدول المتعلق بتوزيع الدوائر المتعددة في المحافظة الواحدة وهو المقترح الذي حظي بالتصويت من بين عدة مقترحات منها الإبقاء على المحافظة كدائرة واحدة أو أن تكون الدائرة الانتخابية على مستوى القضاء أو أن تكون الدوائر الانتخابية لكل مئة ألف نسمة كما نص الدستور أو أن تكون هناك دوائر متعددة في المحافظة الواحدة بحسب الإتفاق وقد أوكلت هذه المهمة إلى رئاسة مجلس النواب ووزارة التخطيط والمفوضية وفقا للمؤشرات والبيانات الموجودة لهذه المؤسسات على ان يُعدّ جدول لهذا الغرض ويُعرض امام مجلس النواب للتصويت كي يتم ارسال القانون بالمجمل الى رئاسة الجمهورية للموافقة عليه في مدة خمسة عشر يوما وينشر في الجريدة الرسمية ليكون نافذ المفعول.

ثانيا : حسم موضوع قانون المحكمة الاتحادية العليا فبعد أن قرر مجلس القضاء الاعلى الطعن بتعيين أحد القضاة في المحكمة لمخالفته للقانون الذي شُكلت بموجبه نتيجة إلغاء المادة( 3) من قانون (30) لسنة (2005) المتعلقة بتعيين الأعضاء ، وبالنتيجة فإن المحكمة الإتحادية لن تتمكن من عقد جلسة ومن ممارسة مهامها على وفق الدستور ونحن أمام خيارين إما التصويت على مشروع قانون المحكمة الإتحادية العليا المعروض أمام مجلس النواب منذ دورتين إنتخابيتين والذي استُكملت إجراءاته كافة وينتظر التصويت بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب؛بحسب ما ورد في الفقرة (ثانيا ) من المادة (92) من الدستور أو أن نذهب إلى إعداد مشروع قانون تعديل بما كانت تتضمنه المادة (3) من القانون المذكور آنفا لكي تكون هناك آلية قانونية دستورية واضحة أمام المحكمة الاتحادية لتعيين عضو جديد لتمارس مهامها الدستورية التي من أهمها الموافقة على نتائج الإنتخابات البرلمانية موضع الحديث ، اذ لا يمكن حل البرلمان وإجراء انتخابات من دون وجود محكمة اتحادية كاملة الاعضاء.

ثالثا : المطلوب من الرئاسات الثلاث والقوى السياسية فيمايخص المفوضية وهو موضوع حيوي كان محطَّ جدلٍ ونقاشٍ ولعله كان أحد اسباب عزوف المواطنين عن الانتخابات إذ كانت المفوضيات السابقة تُتهم بأنها شكلت على وفق المحاصصة وبالتالي فانها لم تكن مهنية بالشكل الذي يطمئن الناخبين والقوى السياسية على نتائج الانتخابات.
ومن مهام المفوضية المباشرة بتعيين المديرين واعداد النظام الذي يتعلق بتفاصيل العملية الانتخابية كلها وهذا موضوع مهم يجب أن يتم على وفق الأطر المهنية وباستقلالية وحيادية بعيدا عن أي تسييس او تدخل من أيّ طرف لضمان عدم الانعكاس السلبي على مجمل العملية الانتخابية ، إذ يفترض ان يعين المديرون العامون ومديرو المكاتب في المحافظات بعيدا عن هيمنة أو تدخل أي طرف سياسي أو مسؤول مهما كان موقعه ناهيك عن وجود مخاوف لدى بعض القوى السياسية ولدى بعثة الأمم المتحدة بالتحديد من محاولات تسييس عمل المفوضية وإستغلال تعيين المديرين في مكاتب المحافظات ومقر المفوضية الأمر الذي من شأنه ان يؤثر سلبا في إعادة ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية .

إنَّ هذه الاستحقاقات الثلاثة التي اوردناها اذا مارافقها وجود إرادة حقيقية للحكومة ولشخص رئيس الوزراء _المعني بفتح حوار مجتمعي مع المتظاهرين وتنسيقياتهم والقوى السياسية والجهات الناشطة والمنظمات الدولية _ فانها ستساعد في بلورة الرؤى وانضاجها لكي يتمكن مجلس الوزراء بموجب مقترح من المفوضية ( كما ينص القانون ) من تحديد موعد لهذه الانتخابات التي يأمل الجميع ان تكون بحدٍ مداه عام واحد من تأريخ مباشرة الحكومة الجديدة
التي سيقع على كاهلها مهمة لا تقل أهمية عن الاستحقاقات أعلاه وهي تهيئة الاجواء السليمة من ناحية بسط القانون وسلطة ألدولة بمؤسساتها الأمنية والمدنية وتهيئة الاجواء للقوى السياسية والمرشحين لعرض برامجهم والتحرك والترويج بين صفوف المجتمع وحث الناخبين على المشاركة وانجاز انتخابات نزيهة بعيدا عن التهديد والترغيب من مجاميع السلاح ومحاولات شراء الأصوات عن طريق ضخ المال السياسي الفاسد والمال الخارجي .

ويعوّل الكل على هذه الانتخابات في أنها ستكون محطة مفصلية في تأريخ العراق الحديث إذ تؤسس لعملية سياسية مقبلة تكون أولى مهامها الاصلاح السياسي والاقتصادي اللذين سيكونان ضمانا لاستقرار الدولة والنظام الديمقراطي في العراق كما وينتظر من المجتمع بعناوينه الثقافية والدينية والمجتمعية والعشائرية والشبابية والناشطين والاتحادات والنقابات والمنظمات الدولية الداعمة الصديقة تهيئة السبل الكفيلة بإنجاح العملية الانتخابية وتحفيز المواطنين على المشاركة الفاعلة كونها السبيل الوحيد لظهور نخبة تمثل أبناء الشعب العراقي خير تمثيل وتضع مصالحه في المقدمة وتنظر إلى استحقاقات الإصلاح بمسؤولية والتزام أخلاقي من دون تسويف أو مماطلة أو ترحيل للملفات بغية إنجاح عملية بناء الدولة على وفق تطلعات المواطنين.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار