مقالات

اختلالات المركَّب الحضاري

محمد عبد الجبار الشبوط..
يعاني المركب الحضاري للمجتمع والدولة في العراق من اختلالات حادة كثيرة، تتجلى في مجالات مختلفة في مقدمتها المجال السياسي والمجال الاقتصادي والمجال التربوي. ومن ادلة هذه الاختلالات خواء العملية السياسية من الديمقراطية الحقة، والاقتصاد الريعي، وعجز النظام التربوي عن تنشئة جيل من المواطنين الفعالين القادرين على الانتظام في فعل حضاري حديث.
وتشير الفاصلة الزمنية الطويلة بين يوم اجراء الانتخابات (١٠ تشرين الاول) والموعد غير المعلوم لانبثاق التركيبة الجديدة للسلطة (مجلس النواب، الحكومة، رئاسة الجمهورية) و تجاهل الجمهور لهذه الفاصلة الطويلة الى عمق الاختلالات الحاصلة في المركب الحضاري.
مرت حتى الان اربعة اشهر على اجراء الانتخابات، وباستثناء تشكيل مجلس النواب الجديد الذي تم هو الاخر بعد وقت من اجراء الانتخابات، فان عجلة العملية السياسية المتعلقة باختيار رئيس مجلس الوزراء الجديد، وتشكيل الحكومة الجديدة، واختيار رئيس جديد للجمهورية، مازالت متوقفه رغم تجاوزها التوقيتات الدستورية. الامر الذي يُفقد الخطوات التالية شرعيتها الدستورية، لانها تجري ببساطة خارج الدستور وليس داخله.
ليس من الطبيعي ان تتعوق عجلة العملية السياسية الى هذه الدرجة. فالحالة السليمة ان ينتهي تشكيل الهيكلية الجديدة بعد وقت وجيز من اجراء الانتخابات. والتأخر في ذلك يعني ببساطة ان العملية السياسية ليست في وضع صحي سليم من الناحية الدستورية والديمقراطية.
ولا يمكن تحميل الشعب مسؤولية هذا التأخير، رغم انه طرف في اختلالات المركب الحضاري؛ لان الطبقة السياسية التي منحها الجمهور المشارك في الانتخابات ( دون انكار دلالة انخفاض نسبة المشاركة) هي المسؤولة عن ادارة الحياة السياسية بعد اجراء الانتخابات. وقد قدمت هذه الطبقة الدليل الحاسم عن عدم قدرتها على ادارة العملية السياسية بصورة سليمة وسلسة، وعن عجزها الكامل عن حل المشكلات التي تتعرض لها العملية السياسية.
وليس من الصعب ان نفترض ان هذه المشكلات نابعة من ثغرات الدستور اولا، ومن الثغرات في قانوني الانتخاب والاحزاب ثانيا، ومن البيئة السياسية/ الاقتصادية/ الثقافية التي تتحرك ضمنها العملية السياسية. ومما يزيد الطين بله، بمعنى زيادة عجز الطبقة السياسية عن حل مشكلاتها، ان خلافاتها بعد الانتخابات تدور حول “من” يحكم، وليس “كيف” يحكم. وهذا يعني ان خلافات الطبقة السياسية شخصية وذاتية وليست برنامجية موضوعية.
وتدخل في الخلاف والصراع الشخصي كل العقد النفسية فتزيد من تعقيده واستعصائه عن الحل. فكل المباحثات السياسية التي تجري بين الكتل السياسية/البرلمانية تدور حول الاسماء المرشحة لتولي منصبي رئيس الجمهورية، وليس حول الطرق المقترحة لحل المشكلات التي يعاني منها البلد.
ويختصر هذا التحليل تشخيص المرض الذي تعاني منه البلاد، وهو الطبقة السياسية نفسها. فهذه الطبقة هي المشكلة ولكنها ليست الحل. وطبيعي ان صعود هذه الطبقة الى قمة السلطة في الدولة سببه عوامل اخرى كثيرة عادة ما اختصرها بعبارة الخلل الحاد في المركب الحضاري للمجتمع والدولة، وهي عبارة تشمل كل الاسباب السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية الاخرى لأن الخلل الحاد في المركب الحضاري يشمل كل مجالات الدولة والمجتمع. وانا هنا لا استثني احدا ولا استبعد شيئا.
ولهذا فان الحل لن يكون بما سيتوصل اليه اركان السياسة من اتفاقات لاحقة حول الاسماء المقترحة، لانها اتفاقات ستكون من جنس المشكلة وليس من جنس الحل. وبالتالي فلن تكون هذه الاتفاقات سوى عمليات تدوير للمشكلة واعادة انتاجها وترحيلها الى المستقبل، الذي سوف يشهد تكرار نفس السيناريو في الجولة القادمة.
تشخيص الحل الحقيقي بعد هذا التحليل واضح، وهو معالجة الخلل الحاد في المركب الحضاري بما في ذلك الطبقة السياسية الراهنة العاجزة عن هذه المعالجة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار