الثقافية

هل أنا أشبه نفسي، وما تصوري عنها؟

بقلم الدكتور جبار صبري:-
مسرح غرفة الذات
الفصل الثاني : المسافة
سادسا: ألسنة الذات المضمرة: الصادقة، المحبة، الكارهة، الراغبة، الشجاعة، الجبانة… ( المسافة بين الذات الحقيقية ومفهوم او صفات الذات.. )

– هل أنا اشبه نفسي. وما تصوري عنها؟
ابتداء، هل الأنا مزدوجة البناء والحضور:
– أنا حقيقية: بنية واقعية صرف.
– أنا غير حقيقية. مفهوم الأنا كما تراه الأنا على نفسها او كما يراها الآخرون.
ان فكرتي عن نفسي لا تتطابق بكل الاحوال مع حقيقة نفسي، انها ابتداء مفارقة من النوع الوجودي: وجود الذات غير وجود مفهوم الذات. وجود من شأنه ان يصنف او يفصم الحقيقة عن التصور. وجود مريض بأثر وجودين مختلفين مع ذلك هما يدعيان انهما واحد. ذلك على اعتبار ان نفسي ومفهوم نفسي محمولات بحضور واحد او وجود واحد كما في الظاهر على شكل واحد.
هذا يعني ان مادتي التي تنسجم مع الواقع المعيش تحاط بمعنى علوي يخرج عنها ولكنه بذات الوقت يمنحها الصفة وهذا المعنى العلوي هو تجريد محض. تجريد غير ملموس يؤثر بمسير وسلوك وحيوات كل ملموس من نفسي. وفي هذا تدليل ان الكائن الحي وجد ابتداء في تركيب ثنائي يحمل في الظاهر عنوان بساطته: تركيب مزدوج يخدع العين انه واحد: تركيب من مادة مجسدة ومعنى مجرد. وهما مهما حاولت الذات بظهور تطابقهما فان تلك المحاولة ستبدو غير مجدية لاستحالة التطابق بين قوتين مختلفتين ووجودين منفصلين بكل وقت وجود.
انظر:
أنا حاصل وجود:
– مادي
– معنوي
اذن، أنا أشبه نفسي بفعل خديعة العين التي تراني جسدا واحدا. ولا أشبه نفسي اذ ان جسدي الظاهر ليس بالضرورة ان يتطابق مع فكرتي او تصوري على وجوده او اعتباره النفسي والاجتماعي.. وصولا الى المفاهيمي.
لكن لا يعني عدم التطابق انكار حركة الصفات مثلا: انكار موجهات راسخة في الكثير مما افعل وأواجه به نفسي وغيري من افعال وردود افعال. من رغبات او تصورات وغيرها. انني موصوف كل وقت بـ :
* قوي
* ضعيف
* شجاع
* جبان
* وسيم
* قبيح
* حزين
* سعيد
* كريم
* بخيل
وهكذا..
نتبين هنا وجود مسافة بين الذات الحقيقية ومفهوم تلك الذات. بينها وبين صفاتها الملاصقة لها اثناء مسيرها الاجتماعي. هذه المسافة تشكل وحدها قوة ضاغطة في تحريك:
– فعل الذات
– نموذج تبني الذات
– مفارقة الذات الداخلية: مفارقة الجسد عن تصوره.
– تناسل اقنعة الذات للتعبير عن حالات الوجود والمعيش وغيرها..
– وقع تلك المسافة في الذات من شأنه ان يكون مصنعا لولادات الاخرين طالما ان تلك المسافة تبقى بلا ردم وطالما انها ستفتح المجال واسعا لتوريد اقنعة او شخصيات من داخل الذات على وفق محمولات الصفات..
نخلص مما ورد ان الذات تضمر فيها ألسنة تتكلم مرة لتمنح الذات ثباتها وايجابياتها ووحدتها في الوجود وتتكلم ثانية لتعلن عن انفصامها وتفككها. تتكلم مرة لتعلن عن الذات كما هي من غير مواربة وتتكلم ثانية لتعلن عنها وهي مخدوعة او على وهم من وجودها واعتبارها..
بالنتيجة هي تتكلم كثيرا.. وهذا يدفعنا الى معرفة والاقرار بوجود ألسنة تصرخ دائما بما يوافق الذات وما يضدها في كل مناسبة وهذا يدفعنا الى حقيقة انفصام الذات ومرضها الوجودي في عدم تطابقها وعدم تصديق بساطتها وانها ليست تركيب مزدوج كما تخدعنا في مظهرها الوجودي. بل ويدفعنا أكثر الى ان تلك التصورات الملازمة لها هي بالنتيجة وجود لآخرين ولدوا منها ولكنهم غالبا ما يختلفون معها ويخالفونها.
——-
الكتابة مسّ وجنون مسؤول
كافتيريا المسرح الوطني / الخميس ٢٥/ ٢/ ٢٠٢١
تصوير الحبيب: سلام السكيني

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار