الثقافية

كنز القلوب

(كنزُ القلوب)
بقلم : زينة محمد الجانودي
الحنان في اللغة العربيّة هو الرّحمة، يقال منه:حنّ عليه يحنّ حنانا، وتحنّن عليه: ترحّم، والعرب تقول: حنانيك يارب وحنانك، بمعنى واحد، أي: رحمتك، ( وهذا كلام الجوهري).
ويعرّف الحنان في اللغة العربيّة بأنّه الشّعور الرّقيق والإحساس بالعطف والرّحمة، أمّا في الاصطلاح فهو الشّعور بالعطف تجاه الآخرين، والحرص عليهم من أيّ أذى.
إنّ الحنان من السّمات الإنسانيّة الأصيلة ومن مكارم الأخلاق النْبيلة، تنبع من الوعي الكامل والعالي بالمفاهيم الإنسانيّة، وتعتبر من الصّفات الإنسانيّة التي لا تتوفّر إلا في النّفوس التي بلغت حظا رائعا من الرّقي الإنسانيّ، وهو رقّة تنحني بالقوّة على الضّعف فتسنده وتقوّيه، إنّه إحساس قد يخلو منه قلب شخص ميّت لايعرف للحبّ طريق، ولا للرّحمة تعريف، فالقلب الخالي من الحنان كالبحر بلا مياه، لأنّ الحنان في القلب هو المحرّك الأساسي لأفعال الفرد الاجتماعيّة والإنسانيّة، ويلعب دورا كبيرا في تعاضد العلاقات بين النّاس.
ويترجم هذا الشّعور عبر العديد من السّلوكيّات التي تجعلنا نميّز الشخص الحنون من غيره فهو شخص لا حدود لعاطفته الرائعة، يمتلك كمّا هائلا من التّسامح والمحبّة، تجعله منطلقا نحو الحياة، وسهلا ورقيقا وصادقا في التّعامل مع الآخرين.
هو شخص بعيد عن الغلظة والقسوة، ترتاح له النفوس، وتأنس له القلوب.
ويكاد الحنان يكون للإنسان كالطّعام والشّراب، فكلّ إنسان كبيرا كان أم صغيرا، يحتاج للحبّ والحنان ليتابع حياته على أكمل وجه، فالحبّ والحنان لاينفصلان فأساس الحبّ هو الحنان، ولا يمكن الاستغناء عن الحنان أبدا، فما قيمة رغيف الخبز الذي يقدّم بلا حنان، وما أهميّة الكلام العاطفي الخالي من الحنان.
إنّ الحنان ضروريّ للصّغير لسوائه النفسي، واتّزانه الانفعالي، باعتباره الغذاء الذي تنمو به وعليه شخصيّته، فتعزّز ثقته بنفسه، وتزيد مهاراته العقليّة، فالطّفل الذي يعيش بكنف الحنان، يكون بحالة مستقرّة، وأكثر ثقة بنفسه، وأكثر قدرة على إقامة علاقات اجتماعيّة مع الآخرين.
ويساعد الحنان التّعامل مع المراهقين على تجاوزهم الكثير من الأزمات النفسيّة التي يواجهونها، خلال مراحلهم العمريّة. ويساهم في تهذيب نفوسهم وحمايتهم من الإنحراف،فالمراهق المحاط بالحنان هو الأقل ارتكابا للأخطاء والأكثر اعترافا بالذّنوب، لأنّه مدرك أنّه سيجد قلبا يمتلأ بالحنان، سيستوعبه ولن يغضب في وجهه.
كما ويحفظ الحنان إذا وجد بالزّوجيْن العلاقة الطيّبة بينهما من خلال تهوين وطأة الحياة وظروفها القاسية عليهما، والوقوف إلى جانب بعضهما في السّراء والضّراء.
إنّ القلوب اللّينة الرّقيقة الرّحيمة، هي القلوب الحنونة الصّالحة القريبة من الله، فالقلب هو محل نظر الله من العبد، وبصلاحه تستقيم الجوارح، وتصلح الأعمال، وتُسدّد الأقوال، ففي الصّحيح عن النّبي محمد صلى الله عليه وسلّم قال:” إنّ الله لا ينظرُ إلى أجسامِكم ولا إلى صُورِكم، ولكن ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم. (رواه مسلم)، فإذا صَلُح قلب المرء استنارتْ بصيرته، وطابتْ سيرته، وخَلُصتْ نيّته، وعظُمتْ معرفته بالله، فالحنيّة من الصّفات التي يتمنّى الكثير من الأشخاص امتلاكها، واللّين ظاهرة سلوكيّة، تنبع من قلب حنون، وهي صورة من صور الرّحمة التي يضعها الله في قلب العبد.
قال الله تعالى في كتابه الكريم:{ وَحَنانًا مّن لَّدُنَّا وَزَكاةً وَكَانَ تقيًّا}[ سورة مريم، آية١٣] ، فقد أسند الله تعالى الحنان إلى نفسه، وذكر من نعمته على نبيّه يحيى عليه السّلام، أن أتاه حنانا أي رحمة ورأفة ومحبّة كائنة في قلبه، ليتحنّن بها على النّاس، وعلى أبويه وقرابته…فالحنان ليس من أسماء الله تعالى، وإنّما صفة فعل بمعنى: الرّحيم.
وكان النّبي محمد صلى الله عليه وسلّم، ينبوع حنان، وهناك عشرات المواقف من حياته العمليّة ومع أزواجه وصحابته، مايدلّ على ذلك، حتى أنّه صلى الله عليه وسلّم كان إذا لقي أطفالا في طريقه، كان يمسح بحنان ومودّة على خدودهم.
إنّ بذل الحنان للغير يعطي للآخرين الشّعور بالرّاحةوالأمان، وفي نفس الوقت يشعر الشّخص الحنون بالطّمأنينة والسّعادة، وذلك عندما يمنح حنانه ووداده للنّاس.
لذا حاوِلْ أن تكون رقيقا وحنونا، وإنسانيّا في تعاملك مع البشر. واعلمْ بأنّ حاجتنا للحنان ملحّة، فالحياة في بلادنا قاسية جدا، بسبب كثرة الحروب والصّراعات واستمرار مسلسل الأزمات والانتكاسات، وتوالي المشاكل والصّعوبات، حيث نرى أطفالا يعملون، وكبارا يتسوّلون، ونساءً متعبات، وأشخاصا بائسين، من شدّة مرارة الزّمن وقسوة الدّهر، كلّ هذه الظّروف تحتّم علينا بذل المزيد من الحنان للكثير ممّن حولنا، فالنّاس بحاجة ماسّة للعطف والرّحمة والحبّ والحنان، وفي الختام نقول إنّ الحنيّة كنز القلوب وفقدانها يؤدّي إلى دمار القلوب.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار