الثقافية

قراءة نقدية في قصيدة ” أبغداد …صبراََ “

(1)…………………. قراءة نقدية في قصيدة
” أبغداد …صبرا ”
للشاعر د.سامي ندا الدوري
من ديوان الأريج
أبغداد صبرا كفانا الألم فأنت الشقاء و أنت العلم
و أنت عيوني فيك أرى جمال العراق و كل النعم
لبست السواد فكنت به كليل طويل عظيم الظلم
و خضت ببحر من المهلكات ببحر دماء و قتل و هم
أراك أمامي كجرح كبير أراك دمارا و قتلا و هم
صبرت كثيرا كصبر الكريم حملت الشقاء و ظلم العجم
عشقت هواك كنقش جميل و رب الوجود حباك الكرم
فأنت العراق و كل العراق بدون هواك سيبقى عدم
كفاك تسري بدرب العزاء و ثوب العزاء عليك ندم
و إني أحبك حد الجنون جعلت هواك لقلبي قسم

عرف من عنوان القصيدة غرضها الكلي فاتصل العنوان بموضوعها العام الذي يلبس الشاعر فيها بغداد ثوب الرثاء و الحداد تارة و ثوب الحب و الفرح تارة أخرى عندما يصل الموضوع ببغداد التي لم يستنكف الحزن و الألم عنها منذ أصابها الدمار و نزل بساحتها الخراب فإيجاز المقصد في العنوان ” أبغداد صبرا ” ربما حقق الشرط البلاغي في القصيدة كلها لأن الشاعر خرج فيه عن حد الإطناب و الحشو الذي فيه خطل خارج عن الذوق البلاغي و النقدي و لهذا قيل:
” البلاغة إيجاز في غير عجز و إطناب في غير خطل ”
و على عادة الشعراء القدامى أقام الشاعر عنوان قصيدته على النداء ثم على المصدر الذي يفيد الأمر و الطلب مركبا فيه العلاقة بين الصبر و الألم و الغاية منه رفض الواقع الدموي الذي عاشته بغداد أو تعيشه في حاضر بات فيه أهل العراق الحبيب يعملون بكل ما بوسعهم للتخلص من التبعية الأجنبية و الاستعمارية فينبري الشاعر يعرض علينا قصيدته ذات الخطاب الواقعي برؤياه الانتقادية لهذا الألم و الشقاء و المهلكات و لهذا القهر الذي خلف وراءه ظمأ نرجسيا للسلام و من ثم هدم هذا الواقع الموبوء بالصراع فهو يدعو بغداد للصبر ريثما تفجر المأساة حلا للمشكلات الاجتماعية والوطنية فالعنوان مشخصا لهذه الحالة المريرة و تداخلت فيه الأزمنة فهو يجمع بين الماضي و المضارع و الأمر و نلاحظ أن خطاب الشاعر لبغداد و نداءه لها كان أوسع من السرد البنائي للقصيدة من جراء إيحائه النفسي للقارئ بتدفق أحاسيس الشاعر على أدراج القصيدة شعورا بالأسى و الحزن وفق معطيات الحدث و إن انتصار الشاعر للمشاعر الوطنية الواضحة على الإيقاع التركيبي للقصيدة ربما أخرجت بعض منعطفات القصيدة عن دائرة التشكيل الإبداعي ذي الصور البيانية المشعة بالجمال فتحولات الألم و الشقاء و الحرب و الدمار دعت الشاعر ليكون حريصا على إرضاء حمولاته الوطنية داخل أطر ذاته مجسدا فيها انتماءه الوطني و القومي أكثر مما يرضى حمولاته الإبداعية على صعيد تجربته الشعرية الكبيرة فيبدأ قصيدته بداية متواضعة و قد أوجعه الكلام و الوصف بعد قراءته للويلات التي حلت بها و استنزفت طاقاتها … فدخان الحرب و أبخرتها سربلت بغداد من منتهى قدميها إلى أعلى رأسها فلا تعود ترى قسمات وجهها الجميل المشرق بالحب و العلم و الأمل و لم تعد عيناها الجميلاتان تتلألئان من داخل محاجرها فوجد الشاعر نفسه مضطرا للحزن وسط واقع كقطع الليل المظلم فبات الحزن جرحا كبيرا و مأزما و بدت معالم نهذا الجرح في أرضها و سمائها و بيوتها و مدنها و قراها:
أراك أمامي كجرح كبير أراك دمارا و قتلا و هم
فالشاعر يعتمد على رؤياه و خياله بعد الواقع فيستخدم الصبر كسلاح مضاد لذبح وحوش الحرب القادمين من هنا وهناك و ربما أتى بعضهم بادعاءات مأدلجة بمصالح فريقه فاستلبوا جمال بغداد و استلبوا تاريخها القومي و الوطني و النضالي فبات الإنسان العراقي يعيش عذابات مزدوجة عذاب البحث عن زمن(ما ) و عذاب البحث عن هموم الأرض و الوطن و هموم الخلاص :
صبرت كثيرا كصبر الكريم حملت الشقاء و ظلم العجم
و يعتمد الشاعر على أسلوب الخطاب المباشر ذي النزعة الانطباعية مستخدما الجمل القصيرة كتلك الجمل المستخدمة في العرض الشعري المسرحي الغنائي يصل به إلى حد الالتزام بالشكل دون المضمون و كأنه يقوم بمغامرة لعبة الأشكال الفنية ململما شتات الذاكرة و الخيال دون بذل مجهود ملموس في تقنية التركيب اللغوي و البلاغي فصورة الشهادة صورة معتمة محبوسة في قفص ألفاظ لم يستدرك الشاعر فيها حقيقة قيمة الشهادة و الموت لأجل عزة الوطن
أو صورة الموت الحاضر بسبب العدوان الأجنبي الغاشم و ربما الحزن و اللوعة و الألم أعيت كل هذه الأمور الشاعر من مناهضة أحاسيسه و مشاعره للوقوف على مطلب الشهادة و المقاومة:
كفاك تسري بدرب العزاء و ثوب العزاء عليك ندم
فربما ثوب العزاء الذي يجري مع المعنى في مسلك الأسف و الندم يقصده الشاعر رمزا لواقع اجتماعي معين عاشته بغداد بعيد دخول المحتل الأجنبي إليها…. نعم بأسلوب المصارحة و المكاشفة نجد الشاعر مدفوعا بمشاعره الوطنية يدعو أهل العراق إلى تحدي الواقع و وضع حدا للصراعات و تجاوز الخلافات و هم الذين عرفوا منذ غابر الأزمان بالسلام و التسامح و العيش المشترك و للتصدي لمخططات الاستعمار في إيقاع الشعوب العربية مع بعضها بعضا و إشاعة الفرقة بينهم
لماذا..؟ لأن بغداد كانت و ما زالت تمثل مشعل الحضارة العربية الإسلامية و منها تستقطب الشعوب العربية ضياءها منذ أن كانت عاصمة النور و الحضارة و مهوى أفئدة علماء الأمة…بل و علماء الأرض جميعا…و لآ يعرف التاريخ أرضا عمرت بالعلوم و الفنون كأرض الرافدين… و قد آن الأوان كي تعود بغداد إلى سابق عزها و مجدها و إلى استعادة ملامح الحياة العامرة بالعلم والمعرفة و الفن و الفرح و الوصول إلى شمولية الحرية والعدالة و الاستقلال عن التبعية الاستعمارية لأي جهة كانت فازدهارها يكون دائما شوكة مغروزة تحز في أعين الاستعمار و أعوانه من الخونة العرب الأجلاف العلوج.
(يتبع)

د. عبدالرزاق كيلو

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار