العربي والدولي

كيف يمكن للدول الوقاية من آثار الزلازل المدمرة؟

في الوقت الذي تواصل فيه فرق الإنقاذ جهود البحث عن ناجين تحت أنقاض المباني التي تهدمت بفعل زلزال سوريا وتركيا، وتخطى عدد الضحايا 4 آلاف شخص مع توقعات بتضاعف الأعداد، يتساءل الكثير من المتابعين للمشهد حول العالم ما إذا كان هناك أي فرص لتقليل حجم وفداحة الخسائر البشرية والمادية نتيجة الزلازل العنيفة.
  
 
فمع تواصل جهود الإنقاذ لليوم الثاني، وتكشف آثار الدمار الهائل، وسط توقعات متشائمة بشأن أعداد الضحايا الآخذة في الازدياد كل دقيقة، أصبح السؤال الأكثر إلحاحاً هو ما إذا كان هناك أية خطط أو خطوات يمكن للدول اتباعها لتقليل مخاطر وتأثير الزلازل، وحماية الأرواح والممتلكات.
 
تأثيرات الزلازل المدمرة على الأرواح والممتلكات
 
بين عامي 1994 و2013 فقط، مات ما يقرب من نصف مليون شخص حول العالم بسبب الزلازل، بينما تضرر 118.3 مليون آخرين.
 
كما نجمت 250.000 حالة وفاة أخرى عن موجات التسونامي اللاحقة والفيضانات، وخاصة في عام 2004 في المحيط الهندي، وأكثر من 700 شخص بسبب سقوط الرماد وتلوث الهواء.
 
إذ تؤثر الزلازل على كل قارة من قارات الكرة الأرضية، على الرغم من أن بعض المناطق، مثل حدود المحيط الهادئ لأمريكا الجنوبية والساحل الغربي لأمريكا الشمالية والمكسيك وألاسكا وجنوب شرق أوروبا ونيوزيلندا ومعظم آسيا، معرضة للزلازل بشكل خاص فيما يُعرف بدول “حزام الزلازل”.
 
ومع ذلك، فإن المباني المنهارة هي التي تسبب أكبر عدد من الضحايا، وليس الزلزال نفسه، مما يعني أن تدابير الحد من الضرر يمكن أن يكون لها تأثير.
 
تدابير الوقاية والحد من الأضرار
 
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 2015، اتفاقية طوعية مدتها 15 عاماً لتقليل احتمالية وتأثير الكوارث في جميع أنحاء العالم.
 
سُمي الاتفاق على اسم المدينة اليابانية حيث تم اعتماده باسم إطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030، الذي يهدف إلى خفض التكاليف البشرية والاقتصادية للكوارث الطبيعية وتحسين التعاون الدولي للإنقاذ.
 
وبحسب مجلة The Guardian البريطانية، تمتلك قرابة 100 دولة اليوم نقاط اتصال في إطار سنداي، مع أربع أولويات للعمل.
 
الأولوية الثالثة منها هي “الاستثمار في الحد من مخاطر الكوارث من أجل المرونة”، وهو البند الذي يغطي “البناء بشكل أفضل من البداية” باستخدام التصميم والبناء المناسبين، فضلاً عن التعديل التحديثي وإعادة بناء الهياكل القائمة للبنايات لحمايتها من الانهيار.
 
ومن بين الخطوات والاحتياطات التي اتخذتها بعض الدول بموجب ذلك:
 
1- نيوزيلندا والتعديل الهيكلي باستخدام إطارات فولاذية
 
واجه سكان نيوزيلندا نحو 31.300 زلزال في العام 2017 وحده، وتُعد العاصمة واحدة من أكثر المناطق عرضة للزلازل؛ حيث تقع ولينغتون؛ حيث يصطدم اثنتان من الصفائح التكتونية العظيمة للأرض، وفوق أحد أكثر خطوط الصدع الجيولوجي نشاطاً.
 
كان الاستعداد للزلازل أولوية قصوى منذ زلزال كانتربري المدمر في فبراير/شباط عام 2011، والذي تسبب في مقتل 185 شخصاً وأضرار كبيرة في مدينة كرايستشيرش.
 
استجابت المدينة منذ ذلك الحين بقوة، وذلك عبر تقوية المباني لمواجهة الزلازل، والاحتفاظ بالهيكل الأصلي لتحمل أحمال الجاذبية الرأسية، وإضافة هيكل تعزيزي لها لامتصاص الأحمال الجانبية من الزلازل.
 
ومن الوسائل الشائعة بنيوزيلندا لتقوية البنايات المهمة هي إضافة هيكل فولاذي لكي يتناسب مع الخرسانة الصلبة أو جدران البناء غير المسلحة.
 
وغالباً ما تتم إضافته إلى السطح الخارجي للمبنى الحساس مثل المشافي والمدارس.
 
وبالفعل، بعد التطبيق، نجا برج باسيفيك المكون من 23 طابقاً، وهو أطول مبنى في المدينة، من الزلازل بسبب الهيكل الفولاذي المضاف له خارجياً، ولم تتضرر سوى وصلة فولاذية فقط منه.
 
ميزة أخرى لتركيب الإطارات الفولاذية هي سهولة فحصها بعد الزلزال: أي أنه لا حاجة لإزالة الجدران لتقييم أي ضرر بعد حدوث الهزة الأرضية.
 
2- ابتكار “حجاب” قضبان الألياف في اليابان
 
خلال العقود الأخيرة، سجلت اليابان ثاني أكبر خسائر اقتصادية في العالم من جراء الكوارث الطبيعية، بما يقرب من 500 مليار دولار، غالبيتها كانت بسبب الزلازل.
 
للوقاية من التبعات، تم تغليف أحد المباني في هونشو، وهي أكبر جزيرة في اليابان، بنوع جديد من المواد في محاولة لمساعدته على تحمل الهزات المستقبلية.
 
المبنى، المعروف باسم Fa-bo، مملوك لشركة المنسوجات اليابانية Komatsu Seiren. وهو مصنوع من الخرسانة المسلحة وتم تحديثه بقضبان من الألياف الاصطناعية.
 
يبلغ عرض هذه القضبان 9 ملم، وهي مركبة من اللدائن الحرارية وألياف الكربون، وهي خمس مرات أخف من المعدن من نفس القوة. وقد تم ربط قضبان الألياف تلك من سطح المبنى إلى الأرض، ولفها في ستارة خفيفة حوله لحمايته من الارتداد.
 
ونظراً لتكرار الزلازل في اليابان، تم بناء جميع المنازل لتحمل مستوى معين من الهزات الأرضية؛ إذ تم بناء المنازل في اليابان لتتوافق مع معايير مقاومة الزلازل الصارمة التي حددها القانون هناك.
 
تنطبق هذه القوانين أيضاً على الهياكل الأخرى مثل المدارس ومباني المكاتب. ويُعتقد أن حوالي 87% من المباني في طوكيو قادرة على تحمل الزلازل.
 
واليوم، يتم بناء العديد من الهياكل لتصبح أكثر مرونة قليلاً إذا تعرضت لهزة، وبعض الهياكل مبنية على التفلون والألياف الاصطناعية الأخرى، مما يسمح للمباني بالتحرك مع الصدمة، بينما لا يزال البعض الآخر يتميز بقواعد منتفخة أو مطاطية أو مملوءة بالسوائل، والتي يمكن أن تمتص الصدمة.
 
3- الجسور والكباري المرنة في نيفادا الأميركية
 
عمل البروفيسور سعيد السعيدي في جامعة نيفادا الأمريكية، في هندسة الزلازل لأكثر من 35 عاماً. وركز الكثير من أعماله على الجسور.
 
وبالفعل تمكن من ابتكار تقنيات للأجزاء الأساسية من البنية التحتية للجسور؛ لكي تكون مقاومة للزلازل بشكل فعال، وقام بتطوير وصلات جسور مقاومة للزلازل من العناصر الجاهزة.
 
هذه الوصلات تكونت من أعمدة الجسور التي تستخدم سبائك معدنية لها شكل الفلين الاصطناعي الرقيق. وتمكنت هذه السبائك فائقة المرونة، المصنوعة من النيكل والتيتانيوم، أو النحاس والألمنيوم والمنغنيز، من أن تبدد طاقة الزلزال دون أن ينحني الجسر إلى حد الانقسام والانهيار.
 
4- خطط حماية الأرواح بعد الزلازل
 
العديد من المناطق المعرضة لمخاطر الزلازل تستخدم الآن قوانين البناء وفقاً لإرشادات صارمة للمساعدة في حماية الناس من مخاطر الزلازل في المستقبل. وتشمل الحماية تشييد المباني بحيث تكون آمنة للعيش حتى عند مخاطر الانهيار، وبعض الأمثلة على تحسينات البناء كما وضحها موقع BBC البريطاني كالتالي:
 
تعزيز بناء ماصات الصدمات المطاطية في أساسات البنايات لامتصاص الهزات الأرضية قدر الإمكان.
تدعيم البناء بإطارات فولاذية يمكن أن تتأرجح أثناء حركات الأرض.
 
توفير المناطق المفتوحة خارج المباني حيث يمكن للناس التجمع عند الإخلاء.
 
استخدام طرق منخفضة التكلفة مثل التعديل التحديثي للشبكات السلكية في المناطق الريفية والبلدان منخفضة الدخل، بحيث تكون ميسورة التكلفة ومناسبة للموارد والأشخاص الذين يعيشون هناك.
 
توفير سقوف خفيفة الوزن مصممة لتقليل الضرر والإصابة.
 
 
عندما تصبح المدن أكثر ازدحاماً، تنمو الأحياء العشوائية والبنايات المخالفة. هذه المناطق معرضة بشكل خاص للتلف من الانهيارات الأرضية بعد الزلازل.
 
ففي دولة فقيرة مثل كولومبيا، تم بناء ما بين 40% إلى 60% من المنازل دون اتباع التصميم المناسب والمعايير القانونية. وعلى الرغم من أن هذا يعرض الملايين لخطر الأذى في حالة حدوث زلزال، إلا أن بعض الخطط الوقائية قد لا تتطلب الكثير من الإنفاق.
 
إذ أطلقت منظمة Build Change للوقاية من مخاطر الزلازل في كولومبيا، برنامجها في أميركا اللاتينية عام 2012، بالعمل مع الحكومات البلدية لتعديل المساكن المعرضة للخطر في مدينتي بوغوتا وميديلين المعرضتين لمخاطر الانهيار عند الزلازل.
 
وبالتعاون مع الشركاء والمهنيين المحليين، طورت دليلاً يساعد الناس على تقييم وتعديل المنازل الضعيفة منخفضة الارتفاع، لتحسين قدرتها على مقاومة الزلازل. وشمل البرنامج التجريبي 50 منزلاً في كل مدينة، لتصل في النهاية إلى تعزيز قوة 500 منزل سنوياً.
 
وتمنح المنظمة سلطة اتخاذ القرار لأصحاب المنازل، والتحسينات التي يقترحونها باستخدام التقنيات الاقتصادية والمألوفة. في بعض الأحيان، يمكن أن تكون الخطوات مثل إضافة جص عالي الجودة ودعامات أفقية تسمى الحزم الحلقية إلى أعلى الجدران لتعزيز فرصها عند وقوع الزلزال.
 
تشمل الخيارات الأخرى إضافة أعمدة أو إضافة جدران عرضية أو تقليل الفتحات داخل الجدران الموجودة، لامتصاص الحركة قدر الممكن دون انهيار البنايات على الساكنين.
 
نقلا عن “عربي بوست”

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار