المحلية

نوارس مهاجرة

عندما نتعرض لموقف أو مشهد يعكس الألم والمعاناة الإنسانية، يصعب نسيانه وتبقى آثاره حية في الذاكرة.. تترك في قلوبنا أثراً عميقًا لا يمحى..
من بين تلك المواقف هناك موقف لم ولن أنساه ابداً..تلك اللحظة التي تجمعت فيها المعاناة والألم والصبر والغربة والاشتياق إلى الوطن البعيد والأهل في لحظة واحدة ….
في يوم من أيام الغربة، كنت في طريقي إلى إحدى المؤسسات التي تعنى بشؤون الإقامات وتقديم الخدمات للمهاجرين الأجانب، وهناك شهدت موقفاً مؤلمًا جداً، وفي ذلك المكان صادفتني امرأة عراقية تحمل على وجهها الجميل حزناً عميقًا، يعبر عن الشوق المتراكم والحنين إلى الوطن، كانت الصورة الجميلة لتلك المرأة مغطاة بتعب المسافات الطويلة والصراعات اليومية التي تعيشها، والى جانبها كانت ثلاث فتيات شابات (بناتها) أضناهن الزمن وأجبرهن على تحمل أعباء ثقيلة..يعانين الحرمان والوحدة في الغربة.. يبدو أن الزمن قد أتعبهن وكانت الظروف قاسية مما تضطرهن إلى طلب المساعدة المالية والحماية لكونهن يعيشن بمفردهن وبلا معيل..
لكن المفارقة القاسية كانت في رد فعل الموظف الذي أستقبلهن. فبدلاً من تقديم العون والتفهم، بدأ بالعصبية والتهجم والسجال الشديد اللهجة وطلب منهن الانصراف فوراً، وهو ينظر إليهن بغضب واستياء …. ومع تصرف الموظف اللا إنساني، بدأت المرأة العراقية بالبكاء والصراخ. وتساءلت بحرقة قلب : “من أين نأكل أنا وبناتي اليتامى؟ لماذا نحن مهمشات؟ لم ينصفنا أحد نحن بلا معيل، فلماذا يعاقبنا الزمن بهذه القسوة؟ وما ذنبنا أن نكون مغتربات وحيدات بلا وطن وبلا حماية، وأبوهن قد ذهب شهيداً لأجل الوطن… وأنا هنا أجبرت على ترك وطني الذي هو جزء مني و الهجرة” .. وفي هذه اللحظات المؤلمة ينظرن الفتيات إلى أمهن بعيون خجولة تحكي قصة من الألم والحزن والضياع.. هذا الموقف الأليم ترك أثراً عميقًا في نفسي، ولم يكن بإمكاني أن أنسى حزنها وكلماتها الحزينة وصراخها المؤلم.. في تلك اللحظات تدفقت دموعي دون إدراك ذلك …. !
شعرت بالعجز والألم العميق، كنت أتمنى لو أنني أملك القدرة على تغيير الواقع وإحداث تغيير إيجابي في واقع العراق ومساعدة كل مغترب مظلوم وكل محتاج فقير حينها شعرت بأسف شديد..
تساءلت آنذاك، اذا وجدت هذه المرأة وبناتها مكان آمناً وتوفرت لهن أبسط حقوقهن، هل ستفكر الأم في الهجرة وترك الوطن….؟ هل ستضطر إلى ترك جذورها وأهلها وتختار أن تعيش الغربة…؟
تلك الأسئلة لا تجد إجابات سهلة، فقلب هذه المرأة العراقية المسكينة يتجاذب بين الوطن والحاجة إلى حياة أفضل لنفسها وبناتها…!
مع كل قطرة دمع تسيل على خديها، ترتفع صرخةٌ صامتة تستجدي العدالة والرحمة . فهي تسأل من أين سيأتي معيلها ومن أين ستأتي الحماية لها ولبناتها.. إنها صرخة تتجاوز الحدود.. إن هذا الموقف الحزين الذي سوف يظل محفوراً في ذاكرتي، يجسد حقيقة مريرة يعيشها الكثير من العراقيين المغتربين، ينزفون الحنين والشوق والألم الذي لطالما يرافقهم في رحلة الغربة..
تلك المرأة العراقية وبناتها هُنَّ مجرد نموذج صغير من قصص الآلاف الذين يعانون بصمت..!
إن الظروف الصعبة والمعاناة التي يعيشها العراقيون المغتربون ووجود نساء عراقيات وأطفالهن دون معيل وهم في حاجة ماسة وتشرد تستدعي وقفة حقيقية وتضافر جهود المسؤولين والحكومة العراقية وأن ينظروا بعين الرحمة والعدالة إلى مشاكل وهموم المواطنين المغتربين وتوفير الدعم والحماية لتسهيل عودتهم..
يجب أن يكون هناك التزام حقيقي والتفاتة حقيقية نحو المغتربين.. حيث لكل مواطن عراقي حقه في الحياة الكريمة والحرية والعدالة…
في النهاية، لا يمكننا سوى أن نأمل في يومٍ يشرق فيه ضوء العدالة والحرية على العراقيين أينما كانوا.. أتمنى من كل قلبي أن يتحقق ذلك اليوم الذي يعيش فيه الجميع في أوطانهم بسلام وأمان..

بقلم
نهله الدراجي

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار