المحلية

دولة “حديثة” في العراق

محمد عبد الجبار الشبوط

اكثر من ١٠٠ عام مضت ونحن مازلنا في طور البحث عن هوية الدولة التي نريد اقامتها في العراق.بعد الحرب العالمية الاولى كان لسان حال العراقيين يطالب بدولة ملكية، بعد حوالي ٣٠ سنة انقلب المزاج الى الدولة الجمهورية. في اثناء ذلك كانت بذور الدعوات الى دولة ماركسية او دولة عروبية تنمو في المجتمع العراقي. بعد عام ١٩٥٨ ظهرت الدعوة الى الدولة الاسلامية. بعد عام ٢٠٠٣ رفع العلمانيون شعار الدولة المدنية. ويوجد الان من يكتب عن الدولة الحضارية الحديثة.
المؤكد ان الدولة في بعد عام ٢٠٠٣ ليست دولة عسكرية، ولا دينية رغم الدور الكبير الذي تمارسه المرجعية الدينية. وهي كذلك ليست ديمقراطية حسب المفهوم الذي تطور منذ جان جاك روسو الى لاري دايموند مرورا بشومبيتر.
لا شك ان الانسان المعاصر اينما يكون يفكر بمصطلح “الدولة الحديثة”، فمن طبيعة الانسان انه يميل الى الجديد والحديث. والحداثة ليست عقيدة او ايديولوجيا، انما هي مفهوم سيال، يتغير بتغير الازمان. وقد قلت منذ عشرين سنة على الاقل ان لكل عصر حداثته. وهذا ينطبق على تعريف الحداثة بالنسبة للدولة. فحداثة الدولة ليست وصفة جاهزة نأخذها من جامعات العلوم السياسية.
مع ذلك لا يسعني الا القول بان الدولة “الحديثة” مفهوم معقد يشير إلى نظام سياسي واجتماعي يتميز بوجود هيئة حكومية مركزية تمتلك السيادة على أرض محددة وتملك القدرة على فرض القانون والنظام. تتميز الدولة الحديثة بوجود مؤسسات قانونية وإدارية مستقلة، نظام اقتصادي منظم، وتوزيع واضح للسلطات، وعلاقة “الرعايا” بالدولة على اساس “المواطنة”.
تعريف الدولة الحديثة يمكن أن يتغير حسب التفسير والسياق. ومع ذلك، يتم تعريفها غالباً بأنها دولة لديها:
– سيادة قانون تطبق على الجميع.
– نظام حكومي منتخب يمثل الشعب.
– اقتصاد مستقر ومنظم.
– مؤسسات فعّالة تشمل القضاء والتعليم والطب.
بالنسبة للعراق، تطبيق مواصفات الدولة الحديثة يواجه تحديات متعددة بسبب الصراعات الإثنية والطائفية، الفساد السياسي والإداري، والتدخلات الخارجية. رغم ذلك، العراق دولة ذات سيادة لديها هيكل حكومي ومؤسسات، لكن تحقيق الحداثة في كامل جوانبها يتطلب مزيدا من التطوير والإصلاح.
في الدول الحديثة، يتم التأكيد على فصل الدين عن الدولة لضمان الحيادية والعدالة لجميع المواطنين بغض النظر عن معتقداتهم الدينية. الدين ليس شرطا في المواطنة. ومع ذلك، يمكن للدين أن يلعب دورًا مهمًا في الحياة الثقافية والاجتماعية في الدولة الحديثة. وهذا الفصل لا يعني بالضرورة ان الدولة “علمانية”، انما يعني وضوح المساحة التي تشتغل فيها الدولة، ووضوح المساحة التي يشتغل فيها الدين. فليس من عمل الدولة مثلا محاسبة المواطن الذي لا يصلي، وليس من واجب رجل الدين ان يمارس صلاحيات لم ينص عليها الدستور.
وفي الدولة الحديثة، يقوم الجيش بحماية السيادة الوطنية والدفاع عن البلاد ضد التهديدات الخارجية، بالإضافة إلى دعم السلطة القانونية في حالات الطوارئ أو الأزمات الكبرى. لكنه لا يتدخل في شؤون الدولة. بل انه يخضع لقيادة مدنية.
ويتمتع القضاء بالاستقلالية التامة عن الحكومة في الدولة الحديثة.
وعند تطبيق هذه المواصفات على الحالة في العراق نجد ان إقامة الدولة الحديثة في العراق تواجه عدة تحديات منها:
-الخلل الحاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة بعناصره الخمسة، اي: الانسان والزمن والارض والعلم والعمل.
-سطوة القيم التقليدية الموروثة من عصور ما قبل الدولة الحديثة.
– التحديات الأمنية والصراعات الطائفية.
– الفساد المنتشر في المؤسسات الحكومية والسياسية.
– ضعف البنية التحتية والخدمات العامة.
الاقتصاد الريعي المعتمد بشكل كبير على النفط وضعف القطاع الخاص
ضعف المجتمع المدني
تدني مستوى الثقافة السياسية الحديثة.
وفي مقابل هذه العقبات، فان متطلبات إقامة دولة حديثة في العراق تتمثل فيما يلي:
– بناء مؤسسات ديمقراطية شفافة وفعالة.
– تعزيز سيادة القانون والقضاء المستقل.
– تحسين البنية التحتية والخدمات العامة.
– تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.
– تشجيع المصالحة الوطنية ومعالجة الانقسامات الإثنية والطائفية.
ان إقامة دولة حديثة في العراق تتطلب جهودًا كبيرة ومستمرة في مجالات الحكم، الاقتصاد، والمجتمع بشكل عام.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار