المحلية

الواحة الزمنية للسلام

🖋️ *الشيخ محمد الربيعي*
نبارك الى الامة الاسلامية ولادة الامام محمد الباقر عليه السلام .
محل الشاهد :
شهر رجب الحرام ، هذا الشَّهر الّذي جعله الله أحد الأشهر الأربعة الحرم: [ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَ الأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ] و إذا أردنا أن نعبّر عن الأشهر الحرم، فإنَّها تمثِّل الواحة الزمنيَّة للسَّلام ، فقد أراد الله أن تكون هناك واحة سلامٍ في المكان ، و هي الحرم الَّذي يشمل مكَّة و منى و المشعر الحرام و ما يقرب منهما ، فهذه المنطقة أراد الله للنّاس أن يعيشوا فيها السَّلام من حيث المبدأ ، فليس لإنسانٍ أن يقاتل إنساناً في داخلها ، حتى لو كان له ثأر عليه ، بل إنَّ الإنسان لا يقتل الصَّيد هناك ، فالصَّيد فيها حرام ، و المطلوب هو أن يعيش الإنسان في سلامٍ مع نفسه و مع ربّه و مع الإنسان الآخر و مع الحياة ، و ربما مع البيئة ، ليتنفّس الناس في هذا المكان روح السّلام ، ليراجعوا حساباتهم فيما يتحركون به في الأمكنة الأخرى ، فلعلَّهم يستطيعون أن يأخذوا من روحيَّة السَّلام في البلد الحرام روحيَّة السَّلام في بلدٍ آخر..
و هكذا أراد الله سبحانه و تعالى أن تكون هناك واحة سلام في الزّمن ، فلا تكون لك الحريَّة في حركة الزّمن ، بأن تنفتح على عداواتك و خصوماتك مع الآخرين ، لأنَّ الله الَّذي هو السَّلام ، يريد للحياة أن تعيش السَّلام في خطّه و في لطفه ، و لذلك أراد للنّاس أن يأخذوا هدنة طبيعيَّة شرعيَّة في كلِّ حروبهم ومنازعاتهم و مشاكلهم وثاراتهم ، حتى يملك الإنسان نفسه ، ليهدِّئ كلَّ هذه الضّراوة الدّاخليّة الّتي تدفعه إلى أن يقتل أو يقاتل ، ثأراً كان أو غير ثأر ، حتى فيما لك فيه حقّ طبيعيّ ، لكنَّ الله استثنى حالة العدوان ، فلك الحقّ إذا اعتدي عليك في البلد الحرام أو في الشَّهر الحرام ، أن تدافع عن نفسك ، لأنّه لا خيار لك إذا هاجمك الآخرون و اخترقوا حرمة الشَّهر أو حرمة البلد ، إلا أن تدافع عن نفسك وعن قضيَّتك وعن طريقك بمقدار الضَّرورة .
لذلك ـ أيّها الأحبّة ـ نحن نريد أن نعيش روحيَّة السَّلام في شهر السَّلام الَّذي هو الشَّهر الحرام ، أن نعيشها في حياتنا الاجتماعيَّة و في حياتنا السّياسيّة ، فإذا كان الله قد أراد لنا في الدائرة الإسلاميَّة أن لا نقاتل بعضنا بعضاً على مستوى حركة السَّلام ، فإنَّ الله لا يريد لنا في هذا الشَّهر الحرام أن نعيش التّعقيدات النَّفسيَّة العدوانيَّة التي تهيّئ العقل و القلب و الحركة للدخول في حربٍ قد لا يأتي و قتها في الشّهر نفسه ، و لكنّه يمكن أن يأتي في شهرٍ آخر .
إنَّ قضيَّة أن نعيش السَّلام في داخل الواقع الإسلاميّ ، هي أن نهيِّئ للنَّاس أن يعيشوا هذه الرّوحيَّة لتتحوَّل إلى سلامٍ في الواقع ، لأنَّ الخطَّة الإسلاميَّة هي أن يعيش النَّاس في سلامٍ من خلال فكر السَّلام الَّذي ينطلق على أساس الحكم الشَّرعيّ ، فالله سبحانه و تعالى قد حرَّم القتال من خلال ما تحدَّثنا عنه لمصلحة السَّلام ، و هذا ما نحتاج أن نعيشه في أنفسنا، لتنطلق في هذا الشّهر الذي يتميّز عن الأشهر الحرم الأخرى ، بأنّه يختزن في داخله الكثير من أجواء العبادة ، و من روحيَّة العمل الذي تتقرَّب به إلى الله صلاةً و صياماً و ابتهالاً و دعاءً و تسبيحاً وما إلى ذلك ، مما يقوّي في روحك علاقتك بالله ، فكلَّما قويت علاقة الإنسان بالله أكثر ، تحسّس مسؤوليَّته عن عباد الله أكثر ، و كلَّما انفتح عقله على الحقِّ أكثر ، و قلبه على الخير أكثر ، و حركته على العدل أكثر ، كان أقرب إلى الله تعالى .
لهذا ، لا بدَّ لنا من أن ندخل هذا الشَّهر دخول المسلم الواعي المنفتح الّذي يحرّم فيه الإنسان على عقله أن يكون عقل حرب ، و على قلبه أن تكون نبضاته نبضات حقد ، و على لسانه أن تكون كلماته كلمات عدوان ، و على حياته أن تكون حياة حرب و قتال و ما إلى ذلك .
لا تدخلوا في رجب دخول النّاس الَّذين لا يتحسَّسون الزّمن فيما يمتلئ فيه من القيم التي يريد الله له أن يتمثَّلها ، بل ادخلوا فيه دخول وعيٍ تتمثَّلون فيه السَّلام روحاً و فكراً و حركةً في كلّ أوضاعكم وعلاقاتكم في الحياة .
و تبقى هناك حرب واحدة هي حربنا مع الاستكبار العالمي ، ونحن عندما نواجه الاستكبار العالميّ ، فإنّنا ندافع عن شرف أمّتنا و سياستنا و أمننا و اقتصادنا و كلّ قيمنا الّتي يريد الاستكبار أن يسقطها ، و هذا هو ما نستوحيه من هذه المناسبة.
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار