الثقافيةالمحلية

النضج والسلام الداخلي: قصة اختيار العزلة

بقلم: رباب طلال مدلول

بعض الأحيان نجد أنفسنا في مواقف تتطلب منا اتخاذ قرارات صعبة ومؤلمة. تلك القرارات التي تعكس نضجنا وقدرتنا على السيطرة على رغباتنا من أجل تحقيق السلام الداخلي. واحدة من تلك اللحظات الحاسمة في حياتي كانت عندما شعرت بالرغبة الشديدة في الاتصال بشخص ما، ولكنني اخترت عدم القيام بذلك.

في تلك اللحظة، جلست بمفردي وأفكاري تدور حولي. كنت أشعر بالحنين والألم، وكان الاتصال به يبدو وكأنه الطريق الوحيد لتخفيف هذا الشعور، ولكن بدلاً من ذلك، قررت أن أعتني بنفسي بطريقة مختلفة. ذهبت وأخذت استحمامًا طويلًا. الماء الدافئ الذي انساب على جسدي كان كأنه يغسل كل المشاعر السلبية، ويمنحني شعورًا بالراحة والنقاء.

ثم أشعلت سيجارتي، كانت تلك اللحظة بمثابة تأمل صامت، حيث كانت كل نفس من الدخان تذكرني بقوة اختياري. جلست هناك، منفصلة عن كل ما كان يربطني به، واستمتعت بصحبة نفسي. كان هناك شعور بالسلام الداخلي يتسرب إلى أعماقي، شعور بالسيطرة على مشاعري ورغباتي.

أثناء استماعي لأغنية “Solitude”، تلك الأغنية التي تروي قصة العزلة، كانت الكلمات والألحان تتناغم مع مشاعري، وكأنها تروي قصتي الخاصة. في تلك اللحظة، لم أفكر فيه قط. لم يكن هناك مكان له في عقلي أو قلبي. كانت تلك اللحظات مخصصة لي وحدي، لاستعادة نفسي والتواصل مع ذاتي.

النضج هو القدرة على اختيار ما هو صحيح لنا، حتى لو كان ذلك يعني التخلي عن ما نرغب به بشدة. في تلك اللحظة، أدركت أنني لا أحتاج إليه، بل أحتاج إلى نفسي. وعندما اتخذت هذا القرار، شعرت بالحرية. كانت تلك الحرية التي تأتي من السيطرة على حياتي وقراراتي، وعدم الاستماع إلى صوت قلبي المشتاق. وقتها علمت أنه في اللحظة التي نختار بها العزلة، نكون قد وصلنا إلى مرحلة ما في النضج والاتزان.
في النهاية، أدركت أن الاتصال به لم يكن ليمنحني السلام الذي كنت أبحث عنه. بل كان السلام في داخلي، في قدرتي على الاعتناء بنفسي والابتعاد عن كل ما يسبب لي الألم. تلك اللحظة كانت بداية لمرحلة جديدة في حياتي، مرحلة النضج والاتزان.

عندما ننظر إلى الوراء ونتذكر تلك اللحظات الحاسمة، ندرك أنها كانت نقاط تحول حقيقية. نقاط علمتنا كيف نكون أكثر حكمة ورأفة بأنفسنا، وكيف نجد السلام في أبسط الأشياء، مثل استحمام مطول، أو سيجارة في العزلة، أو أغنية تتحدث عن الوحدة. هذه اللحظات تجعلنا ندرك أن النضج ليس في عدد السنوات التي نعيشها، بل في تجاربنا الحياتية واختياراتنا.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار