المحلية

البديل الحضاري

محمد عبد الجبار الشبوط:
كمواطن مهتم بشؤون بلده، حددتُ موقفي من الاوضاع الحالية في العراق ضمن ثلاثة محاور هي:
اولا، نقد العملية السياسية بعد عام ٢٠٠٣.
ثانيا، معارضة الحكومة الحالية التي يرأسها مصطفى الكاظمي.
ثالثا، اقتراح بديل جديد.
وقد كتبت عن المحورين الاول والثاني، وها انذا اكتب عن المحور الثالث.
في البدء اذكّر بان تقديم البديل هو من مقومات النقد الموضوعي، حيث لا يكفي ان انقد الوضع، وان اعارض الحكومة، دون ان يكون عندي تصور واضح لبديل افضل. بل ان الحركة الاحتجاجية في اي مجتمع لا يمكن ان تكون “ثورة” دون ان ان تنطلق من رؤية مستقبلية لبديل افضل. والذين اطلقوا اسم “ثورة” على تظاهرات تشرين لم يكونوا دقيقين في استخدام هذا المصطلح، لان المتظاهرين لم يجمعهم هذا التصور المستقبلي غير الموجود اصلا. هذا هو شرط الثورة الاول، فضلا عن شروط اخرى.
في مطلع شبابي، وفي بدايات انخراطي بالشأن العام، كان تصوري المستقبلي يدور حول فكرة الدولة الاسلامية، ولهذا انتميت الى حزب الدعوة الاسلامية في سنة ١٩٦٦. حينها فهمنا النص الوارد في احد الادعية والذي يقول:”اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام واهله، وتذل بها النفاق واهله” بانه يشير الى الدولة الاسلامية. لكن بيان التفاهم الذي اصدره حزب الدعوة عام ١٩٨٠ لم يتطرق الى فكرة الدولة الاسلامية، الامر الذي استلزم التفكير ببديل جديد ومصطلح جديد. وبعد فترة طويلة من التفكير والقراءة والممارسة، انتهى تفكيري الى مفهوم “الدولة الحضارية الحديثة”، في النصف الثاني من عام ٢٠١٦، اي بعد تركي الوظيفة العامة في شهر حزيران من ذلك العام، رئيسا لشبكة الاعلام العراقي. ولذلك لا معنى لسؤال بعض الناس:”لماذا لم تطرح هذه الفكرة حين كنت في منصبك الرسمي؟” والجواب بكل بساطة: لانها لم تكن متبلورة في ذهني كما حصل في ذلك العام. وحين تبلورت بدأت بطرحها عبر مقالات كثيرة، داعيا الى اعادة بناء العراق وفق المفاهيم التي يتضمنها مصطلح “الدولة الحضارية الحديثة”.
وصحيح ان هذا المصطلح يتالف من ثلاث كلمات متداولة بكثرة في التخاطب اليومي، الان ان جمعها في تركيب واحد امر جديد في الادب السياسي والقانون الدستوري. الجديد في هذا المصطلح هو كلمة “الحضاري”، والكلمة لا تشير الى حضارة بعينها، وانما تتعلق بمنظومة القيم العليا الحافة بعناصر “المركَّب الحضاري”. فالحضاري تشير الى ارتباط الشيء وانطلاقة من منظومة القيم. والمركب الحضاري مصطلح استخدمه السيد محمد باقر الصدر في مقدمة الطبعة الثانية من كتاب “اقتصادنا”؛ اما الكاتب الجزائري مالك بن نبي فقد استخدم مصطلح “المركِّب الحضاري”بتشديد الكاف وكسرها. وبذا تختلف فكرة الدولة الواردة في مشروع “الدولة الحضارية الحديثة” عن تعريف الدولة في كتب القانون الدستوري. فالدولة في هذه الكتاب كيان محايد قيميا مؤلف من ثلاثة عناصر هي: الشعب والارض والحكومة، في حين ان الدولة في مشروع الدولة الحضارية الحديثة مؤلفة من ذات العناصر، واضافة عنصر رابع هو “منظومة القيم الحافة بعناصر المركب الحضاري”. وهذا هو الذي يعطي الدولة بعدها الحضاري، فتكون الدولة الحضارية الحديثة هي: الاطار الذي يحقق افضل استثمار لعناصر المركب الحضاري في اطار منظومة قيم تضمن وفرة الانتاج وعدالة التوزيع والحياة الكريمة للانسان.
وعلى مدى السنوات الاربع الماضية ركزت كل جهدي في شرح فكرة الدولة الحضارية الحديثة من مختلف النواحي التي امكنني الكتابة فيها، جاعلها المعيار الذي احكم من خلاله على التشريعات والاجراءات والافعال، وداعيا الى اتخاذها هدفا اعلى للحراك الوطني، وبديلا للدولة العراقية الحالية التي تأسست قبل ١٠٠ عام، وفشلت في تحقيق مفردتي وفرة الانتاج وعدالة التوزيع.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار