المحلية

الإرهاب القيمي

الإرهاب القيمي
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.أمل الأسدي

سنبدأ من قاعدة رئيسة ألا وهي: إن رعـاة الإرهاب العالمي قد حدّثوا وسائلهم الإرهابية، فمن القـتال والقتـل والحرب الميدانية، إلی إرهـاب القيم، إرهاب الكلمة والصوت والصورة.
ومن القاعدة التي قدمناها ننطلق لنفصل في نوع جديد من الإرهاب ألا وهو: الإرهاب القيمي، وأصنّف هذا النوع ضمن الحرب الناعمة التي تشنها الدول الاسـتعمارية الكبری وأدواتها من الدول التـابعة، فإذا كان الإرهاب لغةً : من رهب ورَهِبَ الشيءَ رَهْباً ورَهَباً ورَهْبةً: خافَه، والرَّهْبة: الخَوْف والفَزَع(١)
فإن من معاني الإرهاب اصطلاحا: بث الرعب وتخويف الناس، وتعنيفهم أو هو اغتيال سكينة الإنسان وأمانه، والاعتداء عليه، وإشاعة الفوضی والقتل والدمـاء،
ووالإرْهَـ.ـابِيُّون : وصفٌ يُطلَقُ على الذين يسلكون سبيل العُنـف والإرهاب؛ لتحقيق أهدافهم السياسية أو غيرها من الأهداف(٢).
لقد وجدت الدول التي خلقت الإرهــاب ودعمته نفسها مضطرةً لنبذه وتجريمه والتخلي عنه، وإن لم يكن بشكل تام ، أو لنقل نبذه ظاهريا، تارةً لانقلابه عليها في بعض الأحيان، وتارةً بسبب مقاومة الدول المستهدَفة، وتارة نتيجةً لخسارتها المادية التي لا تساوي ما تنفقه لأجله، ولعل أبرز تلك التجارب هي تجربة داعش وهزيمته أمام قيام الشعب العراقي بوجهه، وأمام بطولات الحشد الشعبي والجيش وسائر القوات الأمنية العراقية، فهزيمة داعش في العراق كانت تنبيها لرعاة الإرهاب وتحريضا لهم علی البحث عن وسائل إرهابية جديدة، تحقق لهم أهدافهم من دون تصادم ودمـاء ومعارك، وذلك عن طريق معارك بيضاء، يكون فيها الإنفاق مربحا ومحققا للأهداف، وجاذبا للفئات المستهدفة، علی خلاف الارهـاب السابق المكشوف الوجه، المفتضح أمره، وهذا الأرهـاب أصطلح عليه(الإرهـاب القيمي) وهو الإرهاب الذي يستهدف المنظومة القيمية لمجتمع ما، إذ يقوم بخلخلتها وتفكيكها، وبتفككها يتفكك النسيج الاجتماعي، وتتهشم الهوية الاجتماعية الجامعة للأمة المستهدَفة، وحينها تتحول الی مجموعات بشرية متشرذمة، يمكن السيطرة عليها وإخضاعها، وتوظيف أفرادها واستغلالهم من دون رفض أو تمرد أو مقاومة أو مواجهة!!
ويتمظهر نشاط الإرهاب القيمي بتمظهرات عديدة، منها:
١- بعض البرامج الإعلامية، التلفزيونية والإذاعية أو التي تُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
٢ـ المسلسلات والأفلام السينمائية، والأغاني الصاخبة.
٣ ـ صناعة المحتوی الهابط ودعم أصحاب هذا المحتوی والسعي الی نشره علی أوسع نطاق.
٤ – الحفلات الصاخبة التي تروج للاختلاط والتعري عن طريق استقدام ودعوة من يقوم بها من أدعياء الفن المنبوذين في بلدانهم.
٥- استغلال ملف السياحة والسفر الی المناطق الآثارية، وتفويج الوفود الذين يختلطون بعامة الناس، اختلاطا يتصادم مع هوية البلد وطبيعة المنطقة الاجتماعية.

٦- البرامج المجانية للشباب التي تقدمها بعض المنظمات غير الحكومية، وكذلك بعض السفارات الاجنبية ومثال ذلك: ـ برنامج ” الارتقاء بالمستوى “level-up” الذي يستهدف الشابات من سن20 الی 25، وبرنامج”برنامج آيلپ iylep ” .وبرامج” أت پور/الثورات الملونة” التي تدعم الاحتجاجات ضد النظام السياسي والترويج للديمقراطية الأمريكية في قدر واسع من بلدان العالم، خاصة في الشرق الأوسط وافريقيا، ويكون دورها الأساسي بعد ذلك في التمويل والتدريب والدعم وتقديم النصائح للحركات الاحتجاجية والتمرد في هذه البلدان، وهناك برامج ونشاطات أخری تسهم في ضرب المنظومة القيمية للبلدان المستهدفة!!

الخلاصة:
عزيزي القارئ، لن أصنّف لك القنوات الفضائية التي تمارس علی هويتك ومجتمعك إرهـ.ـابا قيميا؛ بل سأترك لك المجال لتضع هذه القنوات والبرامج ووسائلها الإعلامية بنفسك، مادمتُ سأتناول توصيفها كما يلي:

١ـ من يحاول تصوير مجتمعك علی أنه غابة حيوانية، القوي فيها يأكل الضعيف عن طريق المسلسلات والبرامج التي تنصر الشر وتزيد حضوره الشيطاني بإزاء تحجيم الحق وتوهينه، فذلك إرهـ.ـاب قيمي!
٢- من يحاول إظهار الشخصية العراقية، أو الشخصية المستهدفة علی أنها جاهلة، غارقة في الجهل، حتی أنها لاتعرف أن للإسد أسنانا، فذلك إرهـ.ـاب قيمي!
٣- الذي يصور مجتمعك علی أنه منحل مفكك تماما، وأن العوائل منفلتة، كل فرد يلهو كما يشاء، فذلك ارهـ.ـاب قيمي!
٤- الذي يصور وجود الشذوذ في المجتمع علی شكل ظاهرة عامة وبيّنة، حتی أنها تستحق أن يتم تناولها في عمل درامي!! فذلك إرهـ.ـاب قيمي!!
٦- الذي يسخر من الشخصية الجنوبية ويجعلها محط السخرية والتندر في عمل درامي أو مسرحي أو أي برنامج آخر، فهذا إرهـ.ـاب قيمي!
٧ـ الذي يسيء الی أفراد أسرتك ويقدم لهم شتی صور العري والجرأة واللاحدود في تعامل الرجل والمرأة، فذلك إرهـ.ـاب قيمي!!
٨- الذي يقدم لك ولأفراد أسرتك المشاهد الحميمية الساخنة بين زوجين، فهو يسعی لقتل فطرتك وفطرة أبنائك في الجنوح الی الستر والخصوصية الأسرية، وهو بذلك يمارس عليك إرهـ.ـابا قيميا!!
٩ـ الذي يسعی لنشر المصطلحات الفاسدة التي تحارب الفطرة الانسانية السليمة، ويزجها في ميادين البحث العلمي؛ فهذا يمارس عليك إرهـ.ـابا قيميا!!
١٠- البرامج التي تبث التشاؤم واليأس وتقبّح الواقع، وتقود الفرد الی العدمية، هي إرهـ.ـاب قيمي!!
١١- البرامج التي تسخر من العادات التقاليد والطقوس، المرتبطة بالموروث أو المرتبطة بجانب ديني عقدي، هي من برامج الإرهـ.ـاب القيمي!!
١٢- الذي يحاول أن يستورد لك قوانين غربية، بعيدة عن بيئتك ومنظومتك ودينك، ليفرضها عليك، وليجعل حياتك الأسرية حلبةً للمصارعة، بدل أن تكون موطنا آمنا، فهو يمارس عليك إرهـ.ـابا قيميا!!
١٣- أي برنامج أو عمل فني يوهّن أجهزة الدولة الأمنية وقواتها، ويعمل علی خلخلة الثقة بين المواطن وبينها؛ فهو يمارس عليك إرهـ.ـابا قيميا!

⭕ ومن هنا، وجب علينا أن نرفع أصواتنا مطالبين الحكومة والدولة ومؤسساتها أن تكون حاميةً للمجتمع، وأن تسعی لتحصينه ضد هجمات الإرهاب القيمي، عن طريق الضوابط القانونية الرادعة لهذه الجهات أوالأفراد، وعن طريق تبني رؤية إعلامية وفنية، من شأنها أن توفر البديل لهذه القنوات الإعلامية، وكذلك وجب علينا جميعا نشر الوعي بطرق إيجابية غير محبطة، طرق تعيد الثقة بالنفس، مع ترك خطاب اللوم والتقريع للناس المبالغ فيه، فهذا الخطاب ينفّر الجمهور بدل أن يصلحه ويلفت انتباهه، وأدعو المؤسسات الدينية أن تولي موضوع الإرهـ.ـاب القيمي أهمية كبيرة، لأنه مرض صامت، ينخر جسد الأمة ولاتظهر أعراضه بشكل فوري، وإنما تكون علی شكل تراكمات متكدسة!!
إذن؛ لنتعاون جميعا من أجل بلدنا وهويتنا وفطرتنا الإنسانية السليمة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار