السياسية

خلال المشاركة في مؤتمر العراق عن التغير المناخي.. رئيس الجمهورية: التكيف مع التغيرات المناخية تتطلب إعادة النظر في آليات نشاطاتنا الأساسية

((وان_بغداد))

شارك فخامة رئيس الجمهورية الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد، اليوم الأربعاء 1 تشرين الثاني 2023 في المؤتمر الدولي الثالث تحت عنوان ( العراق، التغير المناخي- انعكاسات الأمن والتنمية) المُنعقد في جامعة بغداد.
وأكد السيد الرئيس، في كلمة خلال المؤتمر، أن التغيّر المناخي يمثل تحدياً يهدد العالم والبشرية بأجمعها، مشيرا إلى أن العراق يتأثر بشكل خاص بهذه الظاهرة عبر ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار والتصحر والجفاف والعواصف الترابية، مشددا على ضرورة تعميم ثقافة الاهتمام البيئي للحد من هذه الآثار السلبية.
وأضاف أن العراق كدولة منتجة للنفط يعمل على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، والشروع في تحديث آليات الزراعة واستخدام تقنيات أنظمة الري الحديثة التي سيكون لها دور مهم للوصول إلى الأمن الغذائي.

وفي ما يلي نص الكلمة:

السادة الوزراء المحترمون
السيدات والسادة الحضور المحترمون ..
السلام عليكم ..
   يسرني في البداية، أن أتوجّه بالشكر والتقدير إلى ‏رئاسة وكوادر جامعة بغداد العريقة والمعهد العراقي للحوار على دعوتنا للمشاركة في هذا المؤتمر الهام، كما أود أن أشيد بإلقائكم الضوء على موضوعٍ غاية في الأهمية، يحمل بين ثناياه مخاطر جسيمة لعالمنا، وهو التغيّر المناخي وآثاره المباشرة وغير المباشرة.
   لقد واجه العراق خلال العقود ‏الماضية تحديات كبيرة، وعانى من ظلم أنظمة شمولية أدخلته في حروبٍ إقليمية، وحصارٍ دولي واحتلال، وأخيراً ظهور تنظيم داعش الإرهابي، الذي انتصرنا عليه بدماء شهدائنا وتضحيات شعبنا ووحدة كلمتنا.
 واليوم، نجتمع لنناقش تحدياً من نوع آخر يهدد العالم والبشرية بأجمعها، وهو تغيّر المناخ، الناجم عن نشاط الاقتصاد العالمي الحديث واعتماده غير المحدود، على الوقود الأحفوري (Fossil fuel) المسبّب لانبعاثات متزايدة من الغازات الدفيئة – وأهمها ثاني أوكسيد الكاربون.
  بدأت الانبعاثات غير المحدودة للغازات الدفيئة بالتأثير على المناخ في شتى انحاء العالم، فكان من نتائجها المباشرة الفيضانات والحرائق وموجات الحر الاستثنائية في كثير من دول العالم والعواصف الترابية وشحة الأمطار التي عاشتها منطقتنا في السنين الأخيرة وخاصة العراق.
وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فإنّ التهديد سيطال جميع جوانب حياتنا، في الغذاء والأمن والصحة والبيئة والاقتصاد، وهو ما يوجب علينا جميعاً العمل لمجابهة هذه التحديات الحقيقية.
والعراق وإلى وقتٍ قريب كان من البلدان المكتفية ذاتيا بالنسبة للغذاء، وكانت وزارتا الموارد المائية والزراعة تعملان معاً لتوفير احتياجات المزارعين من مياه ومعدات ومواد أولية.
  لكن الأوضاع بدأت بالتغير بسبب شحة المياه التي أسهمت بها بشكل أساسي سياسات دول المنبع  وقلة الامطار وسوء الإدارة.
 يتأثر العراق بشكل خاص بالتغيرات المناخية المباشرة وغير المباشرة. فنحن نعاني من ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار والتصحر والجفاف والعواصف الترابية. وسيكون لهذه التغيرات آثار مدمرة، إذ ستؤدي إلى تدهور الأراضي الزراعية، واختفاء الأهوار وانخفاض الإنتاج الغذائي، وزيادة انتشار الأمراض فضلاً عن زيادة الهجرة إلى المدن وزعزعة الأمن والأستقرار.
والعراق كدولة‏ نفطية ستعاني كذلك من آثار غير مباشرة لا تقل أهمية عندما يقلص الاقتصاد العالمي اعتماده على الوقود الأحفوري.
   في ضوء ما تقدم، نرى ضرورة العمل على توعية المواطن وتعميم ثقافة الاهتمام البيئي، ويجب أن تشمل عملية التثقيف كل المستويات التعليمية، بدءاً من الدراسة الابتدائية وتكثيف العمل للحد أو التقليل من أي آثار السلبية يمكن أن يعاني منها العراق.
  علينا، كدولة منتجة للنفط وذات سيادة ومسؤولية، أن نعمل على تقليل ‏انبعاثات الغازات الدفيئة من العراق (أي ما يسمى بالتخفيف في العمل المناخي) وهو ما أشرنا إليه في وثيقتنا الوطنية المسجلة ضمن برامج وزارة النفط والمؤسسات التابعة لها، من خلال التوقف عن حرق الميثان، والاستفادة منه لإنتاج الطاقة الكهربائية.
 وهنا، يجب أن نشير إلى دور وزارة الكهرباء في ابرام عقود لإنتاج الكهرباء من الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية.
   إن التكيف مع التغيرات المناخية، ضرورة لا بدّ منها. ‏وهو ما يتطلب منا أن نعيد النظر في آليات نشاطاتنا الأساسية، كالري والزراعة وكذلك يجب العمل على تنويع نشاطنا الاقتصادي؛ فالعالم سيقلل اعتماده على الوقود الأحفوري. وعلى سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي سينهي انتاج كل العجلات التي تعتمد على الوقود الأحفوري قبل نهاية هذا العقد.  
  مارس الإنسان الزراعة لأول مرة على ضفاف دجلة والفرات وروافدهما في بلاد ما بين النهرين، والعراق هو أول مصدر للقوانين.
   وأقدم وثيقة دولية بشأن قضايا المياه هي معاهدة السلام الدائم “ميسيليم”، وقد تم إبرامها قبل أكثر من 45 قرناً بين مدينتين سومريتين كانتا تقعان على ضفاف دجلة، وهما لكش وأوما.
   كان الهدف من المعاهدة حل النزاع طويل الأمد بين المدينتين حول استخدام مياه نهر دجلة. وضعت المعاهدة مجموعة من القواعد لتقاسم مياه النهر، كما منعت الطرفين المتعاهدين من بناء السدود أو غيرها من الهياكل التي من شأنها أن تتداخل مع تدفق النهر وحجب المياه عن بلد المصب. وعلينا اليوم وبالتعاون مع دول الجوارـ إيران وتركيا وسوريا – وهي دول صديقة وشقيقة لنا معها مشتركات دينية وثقافية وشعبية فضلا عن مصالح مشتركة أمنية واقتصادية أن نسعى للوصول اتفاق عادل نضمن به الحد الأدنى من الحقوق لشعوبنا.  والحقيقة، أن العراق ليس البلد الوحيد الذي يجد نفسه في هذا الموقع الصعب؛ إذ لا يوجد على الصعيد الدولي، اتفاق ساري المفعول على نطاق واسع وعلى نمط معاهدة لكش واوما.

   مع كل ما تقدم، يجب علينا أن نكيف أنفسنا وان نحدث آلياتنا الزراعية للعمل مع الحد الأدنى من الموارد المائية وأن نعمم استخدام تقنيات أنظمة الزراعة الحديثة التي سيكون لها دور مهم للوصول الى الأمن الغذائي. ومن المفرح أن وزارة الزراعة بادرت بتعميم هذه الآليات، بالتعاون مع المؤسسات المختصة التابعة للأمم المتحدة، كمنظمة الغذاء والزراعة الدولية وبرنامج الغذاء العالمي.
  إن تغير المناخ هو شأنٌ دولي، وقد باشر العالم بالاهتمام به منذ قمة الأرض التي اقيمت في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل سنة 1992؛ إذ قامت الأكثرية الكبرى من دول العالم بالتوقيع على الاتفاقية الدولية التي تسعى إلى معالجة قضية التغيرات المناخية واسمها الكامل هو “اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية حول التغيرات المناخية.” وكان العراق حاضراً في هذه القمة.
  إن العمل في هذا المجال مع الدول الصناعية والنامية في مفاوضات ستكون نتائجها مهمة للعالم. والمفاوضات ليست بسهلة؛ إذ أن المصالح متضاربة بين الدول الصناعية (ذات المسؤولية التاريخية فيما يخص الانبعاثات) والدول النامية التي تُصرّ على حقها بضمان العيش الكريم، وكل ما يتطلبه ذلك من استخدام للطاقة الاحفورية. ونظرا لأهمية التبعات، نرى أهمية إسهام الدول في هذه المفاوضات وبوفود موسعة عالية المسؤولية والكفاءة؛ خصوصاُ وأن هذه المفاوضات تتطلب تعاون عدد من الجهات القطاعية، وسينعقد المؤتمر السنوي المقبل لأطراف هذه الاتفاقية وهو الثامن والعشرين (Cop 28) في دولة الإمارات بعد شهر من اليوم.
  نتطلع الى تمثيل العراق في هذا المؤتمر بالتعاون مع الوزراء المعنيين، ولا شك أن التوصيات التي سيخرج بها مؤتمرنا ستصب إيجابيا في عمل الوفد العراقي وتعزز من مواقفه. لذا أكرر شكري لجامعة بغداد وللمعهد العراقي للحوار لقيامهم بهذا المؤتمر وكما أشكر الحضور الكرام لمشاركتهم معنا…
 
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار