الاقتصاديةالعربي والدولي

الرقائق الإلكترونية.. “نفط المستقبل” يتسبب في حرب تجارية جديدة بين أمريكا والصين

01 أكتوبر 2023

لم يعد النفط الأسود وحده الثروة المتصارع عليها في هذا العالم، بل ثمة نفط من نوع أخر سيتحكم مالكه في مستقبل عالمنا الرقمي الذي تشكل التكنولوجيا قوامه الأساسي.

الرقائق الإلكترونية، تلك الشرائح الصغيرة المعروفة بـ”أشباه الموصلات” والمتحكمة في إنتاج العالم من الإلكترونيات والسيارات وغيرها من الأجهزة، فما هي قصتها، ولماذا تشعل حربًا بين الصين وأمريكا، إليكم القصة كاملة.

ما هي الرقائق؟

الرقائق الالكترونية عبارة عن قطع معدنية صغيرة مصنوعة من السيليكون، وبدونها لا قيمة لأي منتج ذكي في العالم.

تلك القطع المعروفة أيضا بـ”أشباه الموصلات” هي عبارة عن عناصر ومركبات كيميائية ذات قدرة متوسطة على توصيل الكهرباء، وتمتاز بانخفاض أسعارها وكفاءتها في مجال الطاقة كالسيليكون والجرمانيوم.

تأتي الرقائق بعدة أحجام مختلفة، وأكثرها شيوعاً اليوم هي رقائق بحجم 14 نانومتر(14nm)، و10 نانومتر، ورقائق الخمسة نانومتر المستعملة في أجهزة «أبل» (Apple) كالآيفون (iPhone) والحاسوب المحمول «ماك بوك» (MacBook).

تعتبر هذه الشرائح نواة الحياة الحديثة، إذ تُستخدم في الكثير من الصناعات والقطاعات الحيوية أبرزها: صناعة الأجهزة الإلكترونية كالهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، وفي صناعة السيارات والطائرات، بالإضافة إلى استخدامها في صناعة الأجهزة الطبية، ومراكز البيانات، وغيرها.

كبار المُنتجين

احتكرت جهات معيّنة كـ”تايوان” والصين هذه الصناعة وباتت هي الموّرد الوحيد للشركات من مختلف القطاعات في العالم.

تنّبهت العديد من الحكومات لذلك بعدما أيقظها الوباء من غفلتها، إذ أدّى انتشاره والقيود التي فُرِضت للحد من تغلغله إلى تعطّل سلاسل التوريد، وإخلال مستويات الطلب والعرض، وإغلاق المنشآت المصّنعة لهذه الرقائق.

ونتيجة لذلك، عانى العالم من أزمة نقص الشرائح التي ما زال أثرها قائمٌ حتى يومنا هذا، وكان من أكبر متضرريها صانعو السيارات.

تتربع الشركة التايوانية (TSMC) على عرش صناعة أشباه الموصلات، فقد استحوذت على 56.1 في المئة من الحصة السوقية في الربع الثالث من عام 2022، وتخطت أرباحها 20 مليار دولار أميركي.

وتعد هذه الشركة فهي الموّرد الأساسي لشركة «أبل»، كما تعتمد على منتجاتها عمالقة التكنولوجيا مثل “انتل” و”انفيديا” و”هواوي”.

تليها شركة سامسونغ الكورية بحصة سوقية تقدر بـ 15.5 في المئة، مسجلةً أرباح تخطت الـ 5.5 مليار دولار في الفترة نفسها.

أمّا الشركة الأميركية «جلوبال فاوندريز» (GlobalFoundries) فاستحوذت على 5.8 في المئة من الحصة السوقية، بينما كانت الحصة السوقية لمنافستها الصينية «سميك» (SMIC) هي 5.3 في المئة فقط.

بينما تستحوذ الشركات الأمريكية على الحصة الأكبر بين الشركات المصممة لتلك الرقائق، وفي مقدمتها شركة “كوالكوم” التي تعدت أرباحها 29 مليون دولار أميركي في عام 2021، وشركة «إنفيديا» التي تخطت إيراداتها 24 مليون دولار أميركي.

وبالرغم من غياب الشركات الأوروبية في سباق إنتاج وتصميم الرقائق الإلكترونية، إلّا أنها تعتبر العمود الفقري لهذه الصناعة، فهي المصّنعة للتقنيات والمعدات اللازمة لإنتاج الشرائح.

صراع الرقائق

صراع الاستحواذ على تصميم وتصنيع “أشباه الموصلات” بين الولايات المتحدة والصين لا يكف، بعدما أيقنت القوتان العظمتان أهمية تلك القطع باعتبارها “نفط المستقبل”، ووقود التنمية لأي دولة.

ونظراً للتوتر السياسي المستمر بين الصين وتايوان وبعد أزمة نقص الرقائق التي شلّت العديد من القطاعات، قررت الولايات المتحدة في أغسطس من العام الماضي تخصيص حوالي 280 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة (قانون الرقائق والعلوم)، كي تحد من سيطرة الصين على هذه الصناعة وتتمكن من استعادة مكانتها الرائدة في هذا المجال.

تُصّنع الولايات المتحدة اليوم 12 في المئة من أشباه الموصلات فقط، بينما كانت نسبة إنتاجها 37 في المئة في عام 1990.

لم تكتف الولايات المتحدة بذلك، ففي أكتوبر العام الماضي فرضت عقوبات جديدة على الصين هدفها منع الشركات الصينية من الوصول إلى أحدث المعدات والتقنيات الأميركية اللازمة لصنع الرقائق الإلكترونية المتطورة صغيرة الحجم.

بالإضافة إلى ذلك، تحاول الولايات المتحدة الضغط على الشركات الأوروبية كشركة «إيه إس إم إل» من تصدير تقنياتها ومعداتها الحديثة إلى الشركات الصينية المصّنعة للرقائق الإلكترونية.

الهند تدخل على الخط

تتطلع الهند إلى جذب شركات الرقائق الإلكترونية من كل أنحاء العالم إليها، لتصبح البلاد مركزا رئيسيا لأشباه الموصلات إلى جانب كل من الولايات المتحدة وتايوان وكوريا الجنوبية.

واغتنمت الدولة صاحبة أعلى تعداد سكاني في العالم فرصة الحد من اعتماد بعض الدول على الصين فى هذا المجال، وقامت بضخ المليارات لبناء نظام بيئى كامل لأشباه الموصلات على مساحات شاسعة فى البلاد.

رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى قال مؤخرًا إن الهند تدرك أن أشباه الموصلات أصبحت ضرورة عالمية وليست مجرد حاجة وطنية، لذا يعد جذب اللاعبين العالميين لإنشاء مصانعهم فيها إحدى الأولويات القصوى للبلاد.

ورغم ما تعانيه الهند من عدم وجود مهندسين متخصصين ومعدات مطلوبة تؤهلها لأن تحتل الصدارة فى صناعة الرقائق الإلكترونية، فإنها تحاول أن تحاكى التجربة التايوانية، حيث تعمل على جذب المزيد من العمالة الماهرة، بجانب تعزيز الإنفاق الحكومى والاستثمارات الرأسمالية.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار