المحلية

معاناة السبايا بين الماضي والحاضر: هل يمكننا محاكاتها؟

رباب طلال مدلول

سألتني إحدى الفتيات يومًا لماذا لا تمشين لزيارة الحسين عليه السلام تقصد “مشاية”، فسألتها: ولماذا تمشين؟ فقالت: أنا أمشي لكي أعيش مصاب سيدتي ومولاتي زينب عليها السلام وأهل بيت الحسين، ولكي أحصل على الأجر والثواب من خطواتي وأواسي الحسين بهذا المصاب الجلل. فقلت لها: وهل كانت السبايا تملكن هذا الكم من الطعام في الطريق وترتدين أجود أنواع الأحذية لكي لا تشعرن بالتعب أثناء المشي، أو تمشين أثناء الليل فقط لتجنب حرارة الشمس، أو تستمعن للقصائد التي تشبه الأغاني لتحفيز الحركة والسرعة؟ هل كن يمشين ببطء ويتوقفن للأكل والشرب والراحة والتدليك والحصول على قسط من الراحة والقيلولة؟ هل كن يذهبن للمنازل للمبيت ويتعرفن على ناس آخرين ويتناولن عندهم أفضل الأطعمة والضيافة ويغسلن ملابسهن؟ أو هل كن يتعرفن على الرجال هناك ويعشقن ويتعرضن للغزل؟ هل كانت السبايا يضحكن ويتحدثن أثناء الطريق؟ لقد كانت الطريق موحشة على السبايا، موجعة، متعبة، مهلكة. كن يتعرضن للضرب والتجويع والسب، كن يمشين خلف رؤوس أطفالهن وإخوانهن المقطوعة والمعلقة على الرماح، كن يمشين حافيات الأقدام، كن وحيدات وسط الوحوش، كن يبكين بصمت خائفات معذبات مربوطات الأيدي والأرجل، يرتدين بقايا خيامهن لستر أجسادهن الطاهرة. كم هن عظيمات هؤلاء النسوة! هل نحن هنا الآن نحاول محاكاة معاناتهن؟ نحاول مواكبة ما شعرن به أثناء السبي؟ لا والله، لن نشعر بما شعرن به ولن نحاكي معاناتهن، هؤلاء النسوة المطهرات. أخبرتها: اذهبي الآن لزيارة الحسين في هذا الطقس الحار حافية الأقدام بلا أكل ولا شرب، وبلا أنيس ولا رفيق، تشاهدين رؤوس إخوانك وأبيكِ مقطوعة أمامكِ معلقة على الرماح، تتعرضين للضرب والإهانة طوال الطريق، هنا ستحصلين على الأجر، هنا ستعيشين آلامهن وستواكبين آلامهن، لكن لن تضاهينها، لا يوجد شيء يضاهي هذا المصاب. “مصاب الحسين عليه السلام هو مصاب الإنسانية جمعاء” – الإمام علي زين العابدين عليه السلام، وكما يقال “لا يعرف المعاناة إلا من عاشها”.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار