أشعارالثقافية

تشابه غير متوقع

رباب طلال دلول

بتُّ لا أكمل سجائري وأطفئها في منتصفها، تماماً كما كان يفعل أبي. لم أكن أتصور يومًا أنني سأشبهه إلى هذا الحد. كنت دائمًا أقول إنني مختلف عنه، إنني سأكون شخصًا مختلفًا، لكن ها أنا الآن، أجد نفسي أكرر عاداته وأتبنى بعض ملامحه.

كان أبي رجلاً هادئًا وصامتًا في أغلب الأحيان، يحمل همومه بصمت ولا يفصح عما يجول في خاطره إلا نادرًا. كنت أراقبه من بعيد وأشعر بأنني لن أكون مثله أبدًا. كنت أطمح لأن أكون شخصًا مليئًا بالحياة، يتحدث بصوت عالٍ ويعبر عن مشاعره بكل وضوح. لكن مع مرور الوقت، بدأت ألاحظ أن هناك شيئًا ما يتسلل إلى أعماقي، شيئًا يجعلني أكثر شبهاً به.

أتذكر الأيام التي كنا نجلس فيها معًا، هو بصمته وأنا بصخبي، وكيف كانت تلك اللحظات تملؤني بشعور من الراحة الغامضة. ربما كانت تلك اللحظات هي التي زرعت بذور التشابه بيننا. شيئًا فشيئًا، بدأت ألاحظ أنني أطفئ سجائري في منتصفها، كما كان يفعل أبي، وأنني أتحول إلى نسخة أخرى منه، دون أن أدرك ذلك.

لقد أصبحت أكثر هدوءًا وتأملًا، وأقل تعبيرًا عن مشاعري بصوت عالٍ. بدأت أحتفظ ببعض الأفكار لنفسي، وأتفهم الآن لماذا كان أبي يفعل ذلك. ربما كانت طريقته في التعامل مع الحياة ومع كل ما تواجهه من تحديات. ومع أنني كنت أرفض هذه الفكرة في البداية، إلا أنني أجد نفسي الآن متقبلاً لهذا التشابه وأتساءل إن كان جزءًا من هويتي الحقيقية.

كلما مر الوقت، أدرك أن التشابه مع والدي ليس شيئًا سيئًا، بل هو جزء من رحلة البحث عن الذات. ربما نحن مزيج من أولئك الذين أحببناهم وأثروا فينا، وهذا ما يجعلنا ما نحن عليه اليوم. وهكذا، مع كل سيجارة أطفئها في منتصفها، أزداد فهمًا لنفسي وأقترب أكثر من قبول هذا التشابه الذي كنت أرفضه في السابق.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار