المحلية

الثقافة الإستراتيجية والأمن الوطني وفن توظيف القوة

الدكتور الفريق الركن: حامد الزهيري
الجزء الأول: الثقافة الإستراتيجية.
1. الثقافة الإستراتيجية مفهوم ظهر تسميته في العصر الحديث وبالتحدي تمد في عام 1977 من قبل أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا البرفيسور الأمريكي جاك سنايدر (Jack L Snyder) الذي قدم ورقة تحليلية الى سلاح الجو الأمريكي تحت عنوان (الثقافة الإستراتيجية السوفيتية التطبيقات على عمليات نووية محدودة) قيّم من خلالها تأثير ثقافة الأتحاد السوفيتي الإستراتيجية على سياساته النووية ، حيث أن الثقافة الإستراتيجية تعني طرق إستخدام القوة لمواجهة تهديدات الأمن الوطني (القومي) في فكر وفلسفة القادة وصنع قاعدة فكرية تنطلق منها كل سياسات الأمن الوطني حيث يساعد فهم الثقافة الإستراتيجية على تحليل تلك السياسات واستشراف المستقبل وتوقع النوايا المستقبلية.
2. لا يوجد تعريف متفق عليه من قبل الباحثين لمعنى ومفهوم الثقافة الإستراتيجة وذلك بسبب اختلاف وجهات النظر حول معنى هذه المفهوم بسبب أختلاف ظروف الدول السياسية والأقتصادية والجغرافية والعسكرية حيث لم يتناول هذا المفهوم سوى (5) تعريفات فقط منذ عام 1977 ومنها تعريف لونغورست عام 2004 (هيكل متميز من المعتقدات والمواقف والممارسات في إستخدام القوة من قبل الأمة والبروز التدريجي عبر الوقت من خلال عملية تأريخية طويلة الأمد).
3. يختلف مفهوم وتطبيق الثقافة الإستراتيجة من دولة لأخرى وتسمى هذه الثقافة باسماء الدول نفسها مثل الثقافة الإستراتيجية الأمريكية التي تمتاز باستخدام القوة من أجل تحقيق النصر والثقافة الروسية المتمثلة في الحفاظ على ردع نووي إستراتيجي مروراً بالإستراتيجة الصينية التي تمتاز بأسلوب حماية الحضارة والتراث الصيني بالأعتماد على التقنيات الدفاعية بما يتماشى مع ظروف البيئة الأقليمية والدولية إلى ثقافة كوريا الشمالية المتمثلة بالحفاظ على قوة عسكرية تقليدية ساحقة وأمتلاك أسلحة الدمار الشامل والصواريخ الباليستية.
4. يكمن دور الثقافة الأستراتيجة في مساعدة صناع القرار وخاصة في الدول الكبرى على فهم وتحليل وضبط سياسات الأمن الوطني لمواجهة المخاطر والتهديدات المحتملة وبالتالي ضبط سياسات الردع والحروب الإستباقية وتوقع نوايا الدول في المستقبل من أجل توظيف القوة لدعم الأمن الوطني.
5. تتحدد الثقافة الإستراتيجية بالحقائق الجغرافية للدولة ومن تجاربها التأريخية وتطور قدراتها الشاملة وكذلك تقاليدها السياسية ونشأة النخب من قياداتها فضلاً عن تطور طبيعة التهديدات والحروب التي تؤثر على أمنها الوطني، والثقافة الإستراتيجية تتغير طبقاً لركيزتين أساسيتين هما (القوة ومتغيراتها والتحديات والتهديدات المحتملة وتوقعاتها) فكلا الركيزتين تخضع أساساً للمتغيرات البيئية والتطورات التقنية والتكنولوجية وتغيرات الوضع السياسي، فالقوة عامل متطور من حيث المفهوم والأدوات وكذلك الحال للتحديات وللتهديدات المحتملة.
6. يمكن القول بأن الثقافة الإستراتيجية هي قرار قيادة النخب من صناع القرار ذات إطار فكري وعقائدي تبين إستخدام القوة بشتى أنواعها أو التهديد باستخدامها من أجل حماية الأمن الوطني للدولة وضمان بيئة آمنة بالأعتماد على الحقائق الثابتة للدولة جغرافياً وإقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً وأمنياً وعسكرياً بالأستفادة من حجم الإمكانات والقدرات الشاملة للدولة بكل مسمياتها.
يتبع لاحقاً الجزء الثاني مفهوم الأمن الوطني(القومي).

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار