الأخبار المحليةتقارير وتحقيقات

لماذا يتجاهل العراقيون السياسة العالمية والاقليمية وتأثيرها على بلادهم؟

*الحقوقية انوار داود الخفاجي*

في ظل عالم متغير ومتسارع، تلعب السياسة الإقليمية والدولية دورًا حاسمًا في تشكيل مستقبل الدول، خصوصًا تلك التي تقع في مناطق النزاع والتنافس الجيوسياسي، مثل العراق. ومع ذلك، يلاحظ أن نسبة كبيرة من العراقيين لا تُظهر اهتمامًا كافيًا بفهم تعقيدات السياسة العالمية وتأثيراتها على بلادهم، أو أنهم يتعاملون مع هذه القضايا بسطحية وانفعالية. يعود ذلك إلى عدة أسباب تتعلق بالتاريخ، والثقافة السياسية، والواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

*الإرث التاريخي والذاكرة الجماعية*
عاش العراقيون عقودًا طويلة في ظل أنظمة استبدادية ركزت على القضايا الداخلية، وعزلت المجتمع عن النقاش السياسي العميق. فقد تعرض العراق لحروب متكررة، من الحرب العراقية الإيرانية، إلى حرب الخليج، ثم الحصار الاقتصادي، وأخيرًا الاحتلال الأمريكي وما تبعه من اضطرابات أمنية وسياسية. هذه التجارب جعلت الكثير من العراقيين يتبنون نظرة تشاؤمية أو عدمية تجاه السياسة الدولية، حيث يعتقدون أن القوى العالمية والإقليمية تعمل فقط وفق مصالحها، بغض النظر عن إرادة الشعوب.

*الفوضى الإعلامية والمعلومات المغلوطة*
في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح العراقيون عرضة لكم هائل من الأخبار الزائفة، والتحليلات المتحيزة، والخطابات الشعبوية التي تروج لنظريات المؤامرة. بدلاً من التحليل العميق للأحداث، يتأثر الكثيرون بالسرديات العاطفية التي تعزز الاستقطاب السياسي والطائفي، مما يجعلهم غير قادرين على رؤية الصورة الكاملة للسياسات العالمية وأبعادها.

*ضعف الثقافة السياسية والمواطنة*
بسبب غياب المؤسسات التعليمية القوية التي تركز على التوعية السياسية، يفتقر معظم العراقيين إلى الفهم العميق لمفاهيم العلاقات الدولية والتوازنات الإقليمية. فالكثير من النقاشات السياسية في العراق تتمحور حول القضايا الطائفية والعرقية والمحلية، بدلاً من فهم كيفية تأثير الأحداث العالمية، مثل الصراع بين الولايات المتحدة والصين، أو الأزمات في الشرق الأوسط، على مستقبل العراق.

*الأوضاع الاقتصادية والهموم المعيشية*
يعاني العراق من أزمات اقتصادية مستمرة، أبرزها البطالة، الفساد، وسوء الخدمات العامة. هذه الظروف تدفع المواطنين للتركيز على قضاياهم اليومية بدلاً من متابعة التطورات السياسية الخارجية. عندما يكون المواطن مشغولًا بتأمين لقمة عيشه، فإنه من الطبيعي ألا يكون لديه اهتمام كبير بالتحليل السياسي العميق.

*التأثيرات الإقليمية وتعدد الولاءات*
يتأثر العراق بشكل كبير بالقوى الإقليمية، مثل إيران، تركيا، ودول الخليج، حيث تمتلك هذه الدول نفوذًا سياسيًا وإعلاميًا قويًا داخل البلاد. ونتيجة لذلك، ينقسم العراقيون في مواقفهم وفقًا للجهات التي يتأثرون بها، ما يجعلهم أكثر اهتمامًا بالصراعات الداخلية بدلاً من فهم السياقات الإقليمية والدولية التي تحرك هذه الصراعات.

*غياب الاستراتيجية الوطنية الواضحة*
منذ عام 2003، لم ينجح العراق في بلورة سياسة خارجية متماسكة تستند إلى المصالح الوطنية بدلاً من الولاءات الخارجية. هذا الغموض في السياسة الخارجية يجعل المواطن العراقي غير قادر على فهم موقع بلاده الحقيقي في الخارطة السياسية العالمية، مما يزيد من حالة اللامبالاة.

إن تجاهل السياسة العالمية له تداعيات خطيرة على العراق، إذ يجعله عرضة للاستغلال من قبل القوى الكبرى، ويؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة في الملفات الاقتصادية والأمنية. فمثلًا، عدم إدراك العراقيين لأهمية التحولات في سوق الطاقة العالمي قد يؤثر على مستقبل الاقتصاد العراقي القائم على النفط. كذلك، عدم متابعة التطورات الجيوسياسية يجعل البلاد أكثر عرضة للاضطرابات والنزاعات.

في الختام عدم اهتمام العراقيين بالسياسة الإقليمية والدولية ليس مجرد مسألة جهل أو تجاهل، بل هو نتاج تراكمات تاريخية، واجتماعية، واقتصادية. ومع ذلك، فإن تحسين الوعي السياسي بات ضرورة ملحة لضمان مستقبل أكثر استقرارًا للعراق. يتطلب ذلك تعزيز التعليم السياسي، وتشجيع النقاشات المستندة إلى الحقائق، وتبني سياسات وطنية واضحة تعكس مصالح العراق بعيدًا عن التبعية الخارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار