السياسيةالمحلية

خطوة الى الامام، خطوتان الى الخلف

محمد عبد الجبار الشبوط
عنوان هذا العمود ليس لي انما للمفكر والقائد الماركسي لينين (١٨٧٠-١٩٢٤) الذي نشر في مايس من عام ١٩٠٤ كتابا بعنوان “خطوة إلى الأمام، خطوتان للخلف – الأزمة في حزبنا” والذي دافع فيه عن دوره في المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، الذي عقد في بروكسل ولندن في الفترة من 30 تموز الى 23 أب من عام 1903.
استخدم عبارة لينين في تقييم المقترحات التي يقدمها بعض المعنيين للخروج من ازمة بلادنا وعجز الطبقة السياسية عن اعادة تشغيل عجلة العملية السياسية لاختيار رئيس للجمهورية ورئيس لمجلس الوزراء حسب التوقيتات والخطوات الدستورية. وهو فشل يعكس وجهي المشكلة التي نعاني منها وهما: مشكلة عيوب التأسيس ومشكلة عيوب الاداء. ونعاني من هاتين المشكلتين منذ سقوط النظام الدكتاتوري في ٩ نيسان من عام ٢٠٠٣ وحتى الان، لان قاعدة “فاقد الشيء لا يعطيه” تعني ان الطبقة السياسية الحالية غير قادرة على حل المشكلة.
اولا، لأقدم تعريفي لكلمتي “الامام” و “الخلف”. “الامام” هو اتجاه كل حركة موافقة للدستور من شأنها ان تقربنا من نموذج الدولة الحضارية الحديثة. و”الخلف” هو اتجاه كل حركة مخالفة للدستور من شأنها ان تبعدنا عن نموذج الدولة الحضارية الحديثة. والدولة الحضارية الحديثة ذات مقاييس حادة تدور حول خمسة افكار هي: المواطنة والديمقراطية وسيادة القانون والمؤسسات والعلم الحديث. ومن هنا فان رؤية الامور في غاية الوضوح والاحكام عليها في منتهى الحسم. قد يعترض البعض على شرط الدستور في تعريف الامام والخلف انطلاقا من تشخيصاتهم لثغرات الدستور. وانا اتفق معهم في تشخيص الثغرات وغيرها. لكني انطلق من فكرة اسبق وهي ضرورة وجود حد ادنى لقاسم مشترك بين العراقيين. وليس لدينا الان غير الدستور الذي تم اقراره باستفتاء شعبي. وعليه لابد من اتخاذه نقطة شروع لافكارنا ومقترحاتنا الى ان يكون لدينا دستور افضل منه.
ثمة مقترح لاختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يقضي بان يجتمع ممثلو كل “مكوّن” على حدة، فينتخب الكرد رئيس الجمهورية وينتخب الشيعة رئيس الوزراء. وينتهي الامر! هذه خطوة الى الامام لانها حلّت ازمة عالقة. لكنها تمثل تراجعا بخطوتين عن الدستور و نموذج الدولة الحضارية الحديثة. الخطوة التراجعية الاولى ان المقترح يمثل تخليا عن الشروط الدستورية لانتخاب الشخصين، والخطوة التراجعية الثانية انه يحقق تكريسا للانقسام العرقي والطائفي للمجتمع العراقي. وهكذا نكون قد ابتعدنا بضربة واحدة عن الدستور وعن نموذج الدولة الحضارية الحديثة.
لا انكر ان من اسباب الازمة الحالية الصراع المحتدم بين طرفين شيعيين على المنصب المخصص للشيعة حسب المحاصصة الطائفية وليس حسب الدستور. وهذا صراع لا يتم خوضه على اساس قواعد اشتباك واضحة، فلا قواعد الاشتباك على اساس دولة المواطنة واضحة ومحسومة، ولا قواعد الاشتباك على اساس دولة المكونات واضحة ومحسومة، وايٌّ من الطرفين الشيعيين لا يملك وضوحا في رؤية هذا الامر، ولهذا فهما يخوضان الصراع على اساس قواعد “الاقوى”، والاقوى يفوز، وحتى الان فان تعريف “الاقوى” يدور بين عدد النواب، والقدرة على التعطيل. طرف “التيار” اقوى لانه يملك العدد الاكبر من النواب، وطرف “الاطار” اقوى لانه قادر على التعطيل.
الازمة مستعصية لمجموعة الاسباب المذكورة صراحة او ضمنا في هذا المقال. والذي على المحك ليس الاطراف الداخلة في الصراع فحسب، وانما مصير الدولة العراقية ذاتها. لا ينتابني الاسى على انهيار الدولة الحالية اذا كان بديلها الدولة الحضارية الحديثة، لكن المشاعر سوف تختلف اذا كان البديل هو الفوضى على الطريقة الصومالية او حتى الليبية.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار