مقالات

الامن من منظور.. الدولة الحضارية الحديثة

محمد عبد الجبار الشبوط..

قد يبدو اغتيال القاضي احمد فيصل خصاف الساعدي في محافظة ميسان مسألة فردية بالوعي الجزئي للمسألة، لكنها قضية في غاية الخطورة والاهمية من منظور الوعي الكلي، وذلك لانه كاشف عن مستوى تحقق الامن في المجتمع. والامن من المسائل بالغة الاهمية في الدولة الحضارية الحديثة. غاية الدولة اسعاد الناس، و من شروط السعادة الامن، فلا تستقيم حياة الناس بدون العيش الامن على الحياة والمال والحقوق وغير ذلك. وحينما يفتقد الامن في البلد تفتقد معه السعادة. ولهذا كان من واجبات حكومة الدولة الحفاظ على الامن في البلاد، وحين تعجز عن تحقيق الامن فانها تفقد شرعية الانجاز حتى اذا توفرت لها مسبقا شرعية التمثيل.
الامن هو احد المفردات الاساسية في منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة. وبدون هذه القيم لا نتصور امكانية قيام دولة بمنظور حضاري حديث.
واذا كانت العقيدة والاحكام تحتلان مساحة واضحة في القران الكريم، فان منظومة القيم العليا، ومنها مفردة الامن، تحتل مساحة كبيرة جدا في الكتاب المقدس.
نجد في القران الكريم ان الله يقسم بالبلد الآمن:”وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ”. و يمن على العرب المشركين بانه من عليهم بالأمن: “وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا. أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا؟ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”. “أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ.”
ويوضح القران ان الامن دليل على سلامة المركب الحضاري للمجتمع، وشرط لاشتغاله بصورة منتجة في نفس الوقت: “الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ”. “وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون”.
وينقل عن النبي ابراهيم الذي جعله الله للناس اماما دعاءه بان يجعل مكة بلدا امنا: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ”. “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. قَالَ: وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ”.
واخيرا يعد الله المؤمنين بالامن: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.”
وتأتي حادثة اغتيال القاضي احمد الساعدي لتؤشر الى وجود خلل كبير في المركب الحضاري للدولة، بمنظور الوعي الكلي للمجتمع، ولا يمكن النظر اليها كحدث فردي منعزل عن غيره من احداث المجتمع. الاغتيال تعبير عن فقدان الامن الفردي، وتجسيد لفشل الدولة واجهزتها المختصة في توفير الامن لمواطنيها. تصرف مليارات الدنانير على هذه الاجهزة بهدف اساسي وهو توفير الامن للناس، وليس الامن للنظام او الحكومة او المسؤولين فقط، ولكن الواضح ان هذا الامن غير متوفر. فهناك الكثير من حالات الاغتيال والجرائم المختلفة التي تقف اجهزة الدولة المختصة عاجزة امامها، فلا هي قادرة على الحد منها واجهاض مخططاتها قبل تنفيذها، ولا هي قادرة على الاقتصاص من مرتكبيها. وهذا كله مما يلمسه المواطن العادي، فيزداد عنده القلق على نفسه وحياته وممتلكاته. ليس البلد امنا بما يكفي لان ينام الانسان “ملء جفونه” عن حوادثه!

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار
خلال لقائه السفيرة الألمانية.. رئيـس هيئة النزاهة الاتحادية يشدد على توفير البيئة الآمنة للمستثمرين... بغداد تستعيد عافيتها بمشاريعها.. أيام قليلة لإفتتاح مجسر الشالجية تربية الرصافة الأولى تعلن نتائج امتحانات السادس الابتدائي-عاجل إليكم قرارات مهمة لمجلس الوزراء لهذا اليوم الثلاثاء الوثيقة: كتاب صادر من وزارة التربية لمنع المنتسبين في الوزارة من كتابة او نشر اي شيءٍ نقدي بالوثائق.. نقابة أطباء البصرة تحذر من الترويج والدعاية للمراكز وعيادات التجميل والصالونات غير المرخص... بالوثيقة.. قائمة المدراء العامين المثبتين في جلسة مجلس الوزراء لهذا اليوم الثلاثاء امين بغداد يترأس اجتماع اللجنة العليا لمشروع بغداد مدينة الابداع الادبي - اليونسكو وزيرة الهجرة تعلن عودة أكثر من ٧٨٥ نازحاً إيزيدياً من مخيمات دهوك إلى مناطقهم الأصلية في سنجار المديرية العامة للاستخبارات والامن تضرب معاقل تجار المخدرات وتعقل (4) منهم في محافظة النجف