العراق وطن الحضارات وموطن التنوع الانساني


علي قيس الشيخ زبار – لـوكالة أرض آشور الإخبارية..
العراق بلد تتداخل فيه طبقات الزمن كما تتداخل مياه دجلة والفرات في ارض واحدة، وهو فضاء حضاري ينحني امام ثقل تاريخه ولا يزال يحمل في داخله قدرة متجددة على النهوض. حين نتحدث عن العراق فنحن لا نقترب من جغرافيا فحسب، بل من سجل بشري صنعته امم متتالية، وتوارثته اجيال كانت كل واحدة منها تضيف حجرا جديدا الى بناء الهوية.
منذ سومر واكد وبابل واشور، رسم العراقيون اولى ملامح الدولة والمدنية والقانون والكتابة. فهذه الارض شهدت ميلاد الكتابة المسمارية وابتكار التقويم والعمارة الكبرى. هنا خط حمورابي قانونه، وهنا ارتفعت زقورات شاهقة، وهنا صيغت اساطير الخلق والطوفان التي شكلت الوعي الانساني عبر القرون. وفي عصور لاحقة، كانت بغداد مركزا للمعرفة ومختبرا للعلوم والترجمة، وملتقى للثقافات ومنهلا للفكر.
هذا التاريخ العميق انعكس على تنوع المجتمع العراقي، فصار البلد فسيفساء انسانية واسعة تحوي العرب والكرد والتركمان والاشوريين والكلدان والارمن والصابئة واليزيديين وغيرهم. كل مكون من هذه المكونات يشكل نغمة اصيلة في سمفونية العراق الكبرى.
العرب، وهم الاكثر عددا، يحملون تراث اللغة والشعر والصوت القبلي وروح المدائن والبوادي. الكرد يضفون على الجبال حياة اضافية، فهم حراس الشمال واصحاب ثقافة غنية في الفولكلور والموسيقى والادب. التركمان يشكلون جسرا ثقافيا بين انحاء متعددة من المنطقة، ويضيفون الى الفسيفساء العراقية نكهة مدينية راسخة. الاشوريون والكلدان، احفاد حضارات وديانات قديمة، يحافظون على لغات وممارسات روحية تعد من اقدم ما عرفه البشر. الارمن حملوا الى العراق مهارة في الحرف وصبرا في الصناعة، والصابئة المندائيون ساهموا بعمق روحي وفلسفي يميزهم. اما اليزيديون فهم جزء من ذاكرة جبال سنجار ورمز للصمود والبقاء رغم كل المحن.
هذا التنوع لم يكن يوما عنصر ضعف، بل هو رصيد حضاري يمنح العراق قدرة فريدة على التواصل مع العالم. فحين تجتمع الهويات المتعددة في وطن واحد، تتولد منه حيوية ثقافية وانسانية لا تتكرر. العراق العظيم، بمدنه وتضاريسه ونخيله وانهاره ولهجاته واغانيه، يقف شاهدا على ان الهوية ليست مفهوما جامدا، بل حالة من التراكم والتفاعل المستمر.
وهكذا يبقى العراق بلد الحضارات التي لا تنتهي، وبلد المكونات التي صنعت منه لوحة لا يمكن ان تكتمل الا بكل الوانها. انه وطن لا يشبه غيره، وكل من ينتمي اليه يحمل في داخله اثرا من هذا التاريخ الطويل، واملا بأن يعود العراق الى مكانته الطبيعية مركزا للمعرفة والابداع والتعايش.




