كتُـاب وكالة أرض آشور

محمود ابو العباس .. حينما يكون الفن صوتا !

حسين الذكر..

مع بداية الصمت الانتخابي وفي الوقت الذي كانت فيه القوى السياسية وجماهيرها مشغولة في اجواء الانتخابات ارتى مركز افرست بتوفيق ومدد الاهي ان تكون جلسته فنية حضرها جمهور لا يحمل بين جنبيه الا حب العراق يَعُد الفن متنفسا وتعبيرا لا يمكن دونه الارتقاء بملفات الحياة .

لا يمكن ان تعبد الطريق بالمناهج المكتوبة على الورق فحسب ولا يمكن ان تثمر الشجيرات دون منهج ولكي يفتح لك الستار عليك ان تجيد فن اسداله .. فضلا عن مقامات التبجيل التي لا يمكن محوا اثارها بتغير الحكومات والازمنة فيما يعيش بالذاكرة والوجدان الشعبي هو الاقدر على المكوث بين صفحات التوثيق برغم مخالب الرقيب فما كان لله ينمو ومن اعتلى صهوة مسيره حتما ستوثق مسيرته .
كثيرة هي المحطات التي اخذنا اليها ابن العراق القادم الينا بعنفوان النخيل من البصرة الضارب بجذوره خرائط طريق ما زالت تبحث عن سر حضراتها المتانقة على ضفاف النهرين في واحدة من الاسرار التي لم يماط عن مكامنها اللثام برغم دهر الاحداث وعمر الاتقاد .. حتى طالت امسية مركز افرست على غير عادتها الى اكثر من ساعتين مشوقة ليس بالاكشن الدرامي بل بسليقة طرح كانت تنساب تعابيرها بعفوية لا تتكلف في صدق المضمون فضلا عن ابلاغ رسالته .
الزميل والصحفي الحقيقي ( زيدان الربيعي ) قال على هامش اللقاء ( نحن لسنا جيل مظلوم فقد عشنا وعاصرنا قامات فنية عصية التكرار ) . اخذ ابو العباس يعدد بعض نفائسها : (ابراهيم جلال ويوسف العاني وستار البصري … وغيرهم الكثير) .. وقد استوقفتني كلماتهما واستحضرني قول افلاطون : ( الحمد لله الذي جعلني اثنيا لا بربريا وفوق هذا وذاك عشت عهد سقراط ) .. وما اكثر السقراطيين في عراق يتولد رحم ابداعه برغم سيوف الجلادين .. فقائمة المبدعين لا تنتهي بمن اسهم بصناعة فن اصيل سينهض بحتمية فرضت نفسها برغم الظروف ليحي الفن ويعيده اداة لرفد الحياة بما تحتاجه من نبضات وجدانية واتقادات فكرية بعيدا عن صخب المادة .. فالفنان ليس تاجر في سوق نخاسة الجشع ولا متسلق في دائرة المنافقين .. ان لم يكن نخلة شامخة الحضور وافرة الظلال دائمة العطاء حق عليها القلع .
في واحدة من جمالات تلك الليلة الجميلة اطل علينا الشاب عبد الله اسماعيل احد طلاب اكاديمية الفنون الجميلة بمشاركة عدت من بركات الامسية .. اراد ابو العباس ان ينزل اليه يقبله ، فقال الشاب بعفوية ( آني اتعناله ) بمفردة عراقية تحمل مضمون التبجيل والمحبة فالتقطها ابو العباس بعين دامعة : ( انها كلمات امي .. المفردات ليست مجردة بل تحمل ذكريات تحضر بلحظة تجلي يحس بها المتذوق .. هنا تكمن علية الفن وشموليته ) .
سؤل الفنان محمود ابو العباس عن رايه الفني بما يقدمه ابنه (حيدر) ، قال : ( ابني حيدر طبيب وله عمله وعيادته الخاصة ودخوله الفن رغبة حب اراد تطويعها امام ذات دافقة لتجسيد اهداف تبقى حبيسة الذات وله نجاحاته واني آراه يتلمس طريق يحتاج خبرات وتجارب .. ولا تنسون ان للقلب جوفا لا يسع الا الابناء ) .
جمال السياب رجل ظل حبيس ذاته المنغلقة الا على دائرة ضيقة جدا قضى عقوده الستة منسيا في دهاليز الحياة منكبا على القراءة والكتابة الفنية حتى نسيه الاقارب والاصدقاء . فاجئنا بالحضور اول مرة حينما سمع ان ابو العباس ضيفا على افرست وفاجئنا اكثر حينما طلب التحدث على المنصة قائلا : ( لقد قضيت عمري خجلا صامتا حتى من نفسي وتفاصيل دهري ) ثم رفع وتيرة المفاجئة حد الدهشة التي بلغ فيها عنان الجمال حينما ادى احد ادوار ابو العباس في مسرحية ( بقعة زيت ) .. صائحا بصوت جهوري كانه انبثق من تحت اطنان التراب المتراكم عبر طيات الزمن :
( الاهي يا الاهي : كتب علي ان اكون حجرا في مدينتي ..
وطني يا وطني انا لا انظر اليك من ثقب الباب ولكن انظر اليك من قلبي المثقوب .. ..
وطني يا وطني كل الدنا حولت صحرائها مدنا .. الا نحن تصحرنا في مدننا ..
الاهي يا الاهي بالامس كنت اقبل باي احد .. واليوم لا احد يقبلني .. )
لم تكن مجرد تفاصيل مقطع مسرحي للفنان محمود ابو العابس بل حولها جمال الى مدامع متفجرة من اعماق ذات مكلومة كاظمة محبة للفن متطلعة للحرية كتعبير حياة )

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار