البرلمان العربي: مواجهة الإرهاب الإلكتروني تتطلب مبادرات تشريعية معاصرة وشراكات مقننة مع الكيانات التكنولوجية الكبرى


أكد البرلمان العربي، اليوم السبت، على أن الإرهاب بتطوره الرقمي أصبح يهدد الأمن الفكري والمجتمعي، ولا يقل خطرًا عن التهديد العسكري المباشر، محذرًا من أن التنظيمات الإرهابية باتت تستخدم أدوات التكنولوجيا الحديثة في التجنيد وبث أفكار التطرف عبر منصات التواصل الاجتماعي والفضاء الافتراضي، وفي عمليات التمويل باستخدام العملات الرقمية ووسائل الدفع الإلكتروني التي يصعب تعقبها، فضلًا عن عمليات التخطيط والتنفيذ من خلال الاعتماد على تطبيقات التشفير، بما يعقد من مهمة أجهزة الأمن في ملاحقتها.
وذكر بيان لاعلام البرلمان العربي تلقته وكالة أرض آشور الإخبارية، انه”جاء ذلك في المداخلة التي ألقتها معالي النائبة جيناب صمب كورك عضو البرلمان العربي المشارك في المؤتمر البرلماني حول مكافحة الإرهاب، الذي نظمه مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بالتعاون مع مجلس الشورى القطري في مدينة إسطنبول التركية.
وأضافت “كورك” في الجلسة التي تم تخصيصها حول موضوع “معالجة التهديدات الناشئة عن الاستخدام التكنولوجي في مجال الإرهاب” أن مواجهة هذا الخطر النوعي لا يمكن أن تقتصر على الوسائل الأمنية فقط، بل يجب أن يكون للبرلمانات دور فاعل من خلال قوانين عابرة للحدود تواكب سرعة التطور التكنولوجي، وتغلق الثغرات القانونية التي تستغلها الجماعات الإرهابية، وإطلاق مبادرات تشريعية دولية لوضع أطر قانونية تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الناشئة، بحيث تمنع إساءة استغلالها دون أن تكبح إمكاناتها الإيجابية، فضلًا عن تأسيس شراكات مسؤولة ومقننة مع الكيانات التكنولوجية الكبرى، وإلزامها بالمسؤولية المجتمعية في مراقبة المحتوى الإرهابي وإزالته بسرعة.
وتطرقت “كورك” في إشارة سريعة إلى تجربة الجمهورية الإسلامية الموريتانية في مواجهة الإرهاب، مشيرة إلى أنها تعتمد على مقاربة شمولية تقوم على الأمن الصارم، والإصلاح الفكري عبر برامج محاورة العلماء مع الشباب المتأثرين بالفكر المتطرف، إضافةً إلى الإصلاحات القانونية والسياسات الاجتماعية التي تهدف إلى الوقاية من التطرف ومعالجة أسبابه. وقد حظيت هذه التجربة بإشادة دولية وإقليمية، باعتبارها نموذجًا ناجحًا في التصدي للإرهاب.
وفي مداخلة أخرى في الجلسة ذاتها ألقاها معالي النائب جامع عسكر عضو البرلمان العربي، تطرق فيها إلى جهود البرلمان العربي في هذا المجال، مؤكدًا أن البرلمان العربي أولى اهتمامًا كبيرًا بموضوع الاستخدام الآمن للتكنولوجيا الحديثة وجعلها بعيدة عن أيدي الإرهابيين، وأصدر أول قانون عربي موحد لتنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي، لكي تسترشد به الدول العربية في إعداد وتحديث قوانينها الوطنية ذات الصلة. كما أصدر البرلمان العربي وثيقة مهمة تحت عنوان “رؤية برلمانية عربية لتحقيق التوظيف الآمن للذكاء الاصطناعي”، تضمنت عددًا من المرئيات البرلمانية بشأن حوكمة الذكاء الاصطناعي وجعله بعيدًا عن أيدي التنظيمات الإرهابية.
وشدد “عسكر” على أن القضية هنا ليست قضية تقنية فقط، بل أخلاقية وقانونية في المقام الأول. فالتكنولوجيا التي تُستخدم اليوم في التنمية والابتكار يمكن أن تُستغل غدًا في الإرهاب والإبادة، وهو ما يضاعف مسؤوليتنا كبرلمانيين في المطالبة بوضع ميثاق دولي ملزم يحظر توظيف التكنولوجيا الحديثة في الإرهاب أو الاحتلال أو انتهاكات حقوق الإنسان.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن حماية الأجيال القادمة من “الإرهاب الرقمي” مسؤولية لا تحتمل التأجيل. وأن البرلمانات مطالبة اليوم قبل الغد بأن تكون في موقع المبادرة، وأن تضع أسس تشريعية قوية تحصّن المجتمعات، وتجعل من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أدوات للسلام والتنمية، لا أسلحة بيد الإرهاب والعدوان.