ماذا يخطط لنا ترامب؟


يوسف حسن يكتب –
إلى البيت الأبيض يذهب نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، وهناك يعلن ترامب، رئيس الولايات المتحدة، عن خطة مكوّنة من عشرين بندًا لـ«إنهاء حرب غزة» وتحقيق «سلام مستدام». وفي الوقت نفسه تعلو صيحات وسائل الإعلام الغربية لجعل هذه الخطة تبدو جميلة، فتُحاط بغبار كثيف حتى لم يعد بإمكان أحد قراءة بنودها. يسمع الناس صوتًا واحدًا فقط: على الجميع أن يوافقوا على خطة ترامب خلال ثلاثة إلى أربعة أيام دون تردد، وإلا ستكون هناك عواقب وخيمة!
حينما يريد ترامب بمِعول حديدي أن يُجبر قادة الدول بالقوة على قبول الخطة وتنفيذها دون اطلاع، فإن واجبنا نحن الشعوب المسلمة والعربية—بغض النظر عن الاعتبارات السياسية—أن نقيس هذه الخطة بموضوعية ونكشف عن نيّة أمريكا منها. لا بد أن يزداد شكنا في خطة ترامب حين يقبلها نتنياهو المتكبر والقاتل، بل ويعتذر لقطر عن الهجوم العسكري ويصف ترامب بـ«أفضل صديق لإسرائيل».
أول سؤال عن خطة ترامب: لماذا يتصرف وكأنه دكتاتور ويقول إن لا لأحد أن يبدي رأيًا، وأن الرد يجب أن يكون قبولًا فقط؟ والسؤال التالي: ماذا يقصد ترامب بـ«عواقب كارثية»؟ فكلما استخدم هذه العبارة حصلت هجمات عسكرية، وهو يريد أن يعرض قوته بمِطبعة الحديد؟ هل لهذا التهديد علاقة بالاجتماع الأخير الذي حضره هو ووزير دفاعه مع جنرالات رفيعي المستوى حيث صرّحوا بأن أمريكا تعاقب أعداءها بقسوة وهدفها النصر في كل حرب؟ هل ترتبط خطة ترامب بوصول طائرات التزود بالوقود إلى قطر، وهل الهدف منها شن عملية عسكرية ضد دولة في المنطقة أو ضد غزة نفسها، أم أنه يسعى عبر ترهيب المنطقة إلى انتزاع تنازلات وفرض مشروعه؟
الإجابة على هذه الأسئلة ستوضح مصير كثير من القضايا؛ فإذا نثرنا غبار التمجيد الإعلامي وبعض «أصدقاء» أمريكا عن بنود الخطة سنرى أنها لا تمنح فلسطين أو الدول العربية أي امتياز وأن كل شيء يصب في صالح إسرائيل. فالنص يقضي بالإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين أولًا، ثم تُفتح المفاوضات لباقي البنود—حتى إرسال المساعدات إلى غزة أو وقف الحرب—بعد ذلك! فهل كان هدف إسرائيل منذ البداية تحرير رهائنها فقط؟ وإذا تحقق ذلك، فهل تبقى هناك قضية للتفاوض؟!
يقول ترامب إنه لا مكان في غزة لـ«المجموعات الإرهابية» أو لحملة السلاح، وأن لإسرائيل حق البقاء والقتل حتى يتم القضاء على هؤلاء والأسلحة. وأن إعلان أمريكا كل الفصائل الفلسطينية إرهابية يعني عمليًا أنه لا يمكن أن يولد سلام ما لم يُباد سكان غزة.
الخطة تطالب بأن تقف الدول العربية في مواجهة الفلسطيني من أجل «أمن إسرائيل»، لكنها لا تُلزم إسرائيل بتجريد سلاحها أو وقف هجماتها. أي منطق هذا الذي يجعل الأخ يقف ضد أخيه لتأمن عدوًا مشتركًا، في حين أن هذا العدو قد أزعج الفلسطينيين وجعل نوم العرب والمسلمين بلا هدى؟!
والكارثة أن الحاكم المستقبلي لغزة سيكون توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق—الذي نعلم جميعًا مقدار الدم الذي سفكه في أفغانستان والعراق بجانب بوش الابن. وهو محب لإسرائيل؛ فكيف يمكن أن يكون أمينًا لفلسطين وبانيًا لغزة؟!
إذا أزلنا غبار خطة ترامب سنشمّ ليس رائحة سلام بل رائحة دم وبارود لمزيد من إراقة دماء أهل غزة، ورائحة إجبار الدول العربية على مصافحة العدو الإسرائيلي من دون مقابل، ورائحة «بلفور» ثانية. من الأفضل أن نرفع صوتنا دعمًا لفلسطين قبل فوات الأوان—قبل أن تفرض أمريكا هذه الخطة على حكامنا أو تشعل حربًا جديدة بذريعة رفضها.
ليس وقت الصمت تحت غبار خطة ترامب، بل وقت اليقظة. الوقت ضيق، يا أخي العربي والمسلم: إن لم نستفق اليوم فلن يبقَ غدًا فلسطيني نستيقظ من أجله؛ وحينها لن تجدي الدموع والندم شيئًا.




